وهكذا شخصية فريدة أخرى تتكرر أيضا ، ورغم جهالة الجاهلين ، ورغم نكران العلمانيين. وهكذا أيضا شخصية معاوية بن أبي سفيان ـ مؤسس الدولة الأموية ـ والذي خاض في سيرته الخائضون سواء من المستشرقين أو العلمانيين. فبالرغم من خطئه ، وانحرافه في نظام توليه الحكم من مبدأ الشورى ، والاختيار إلى مبدأ التعيين ، والوراثة ، فإنّ هذا الخطأ لم يثنه أبدا عن مبدأ الحكم بالإسلام ، وتطبيق الشريعة الإسلامية ، والاحتكام إلى نظام الإسلام في جميع شئون الحياة ، وتنفيذ قواعد العدالة في حكمه بين الأفراد. ونحن نتحدى أن يثبت أحد أن معاوية لم يحكم بالإسلام؟!! أو لم يكن حكمه مثاليا في تطبيق أحكام الله على العباد؟!! أو أنّه احتكم إلى غير نظام الإسلام في الاقتصاد ، أو الاجتماع ، أو السياسة ، أو الإدارة ، أو الجهاد؟!!.
ومعاوية بن أبي سفيان ـ هذا الخليفة العادل ـ والذي شوهت حسن سيرته الضغائن ، والأحقاد ـ هو القائل : لو كان بيني ، وبين النّاس شعرة ، ما قطعتها. والكل من حكام الاشتراكية ، والرأسمالية قطعوا هذه الشعرة بينهم وبين الناس ، بل وجعلوها سيوفا على رقابهم يقتلون بها ، ويبطشون بها.
ومعاوية هذا ـ الخليفة اللين السمح العافي عن النّاس ـ هو الذي يروي عنه الحافظ الذهبي في «سير الأعلام» عن ابن عون قال : «كان الرجل يقول لمعاوية : والله ، لتستقيمن بنا يا معاوية ، أو لنقومنّك. فيقول : بما ذا؟! فيقولون : بالخشب. فيقول : إذن ، أستقيم. والخشب : جمع خشيب ، وهو السيف الصقيل. ويدخل عليه أبو مسلم الخولاني ، فيقول : «السلام عليك أيّها الأجير. ويرد عليه من حول معاوية مصححين عبارته : السلام عليك أيها الأمير. ويصر أبو مسلم على قوله. فيقول معاوية : دعوا أبا مسلم ، فهو أعلم بما يقول. فقال أبو مسلم : أنت أجير المسلمين استأجروك على رعاية مصالحهم». ومعاوية بن أبي سفيان هذا هو الذي تنازل له عن الإمامة حفيد رسول الله «صلىاللهعليهوآلهوسلم» الحسن بن علي.