فما قاله أصحاب الرأي وأبو حنيفة من حرمة الاجرة على تعليم القرآن أو كراهته خلاف الحق ولا وجه له حتى عند أهل السنّة كما عرفت نعم يستفاد الكراهة من الأحاديث الواردة إذا اشترط الأجرة وأمّا في أخبارنا عن أهل البيت عليهمالسلام المذكورة في الوسائل وغيره وهي بين الناهية عن كسب التعليم بالاجرة وبين ما يدلّ على خلافها بل يدلّ على نهاية المطلوبية ، مثل ما رواه الفضل بن أبي قرّة قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : هؤلاء يقولون إنّ كسب المعلم سحت ، فقال عليهالسلام : كذب أعداء الله ، إنّما أرادوا أن لا يعلّموا أولادهم القرآن ، لو أنّ المعلّم أعطاه رجل دية ولده لكان للمعلّم مباحا (١).
فمقتضى الجمع مع ذهاب أهل الآراء والمخالفين الى الحرمة أو الكراهة حمل النواهي في أخبارنا على التقيّة.
(وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) الكلام فيه كالكلام على قوله تعالى : (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (٢) ويقرب معنى التقوى معنى الرهبة ، قال صاحب «المنتخب» (٣) والفرق أنّ الرهبة عن الخوف ، وأما الاتّقاء فإنّه يحتاج إليه عند المجزم بحصول ما يتّقي منه ، فكأنه تعالى أمرهم بالرهبة لأجل أنّ جواز العقاب قائم ، ثمّ أمرهم بالتقوى لأنّ تعيّن العقاب قائم ، انتهى كلامه. ومعنى جواز العقاب هناك وتعيّنه هنا أن ترك ذكر
__________________
(١) الوسائل ج ١٢ ص ١١٣ ح ٢.
(٢) سورة البقرة : ٤٠.
(٣) المنتخب لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجزري المتوفى (٥٩٧) ه