ينزل مع أفلاكه منزلة حيوان واحد ذي نفس واحدة تتعلق بالكوكب أوّل تعلقها وبأفلاكه بواسطة الكوكب كما تتعلق نفس الحيوان بقلبه أوّلا وبأعضائه الباقية بعد ذلك ، فالقوة المحركة منبعثة عن الكوكب الذي هو كالقلب في أفلاكه التي هي كالجوارح والأعضاء الباقية انتهى كلامه زيد إكرامه إلى أن قال : إنّ خطابه للقمر ونداؤه له وصفه بالطاعة والجد والتعب والتردد في المنازل والتصرف في الفلك ربما يعطي بظاهره كونه ذا حياة وإدراك ولا استبعاد في ذلك نظرا إلى قدرة الله تعالى إلّا انّه لم يثبت بدليل عقلي قاطع يشفي العليل او نقلي ساطع لا يقبل التأويل ، نعم أمثال هذه الظواهر ربما تشعر به وقد يستند في ذلك بظاهر قوله تعالى : (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (١) فانّ الواو والنون لا يستعملان حقيقة في غير العقلاء ، وقد أطبق الطبيعيون على أنّ الأفلاك بأجمعها حيّة ناطقة عاشقة مطيعة لمبدعها وخالقها وأكثرهم على أنّ غرضها من حركاتها نيل التشبه بجنابه والتقريب إليه جلّ شأنه ، وبعضهم على أنّ حركاتها لورود الشوارق القدسيّة عليها آنا فآنا فهي من قبيل هزة الطرب والرقص الحاصل من شدّة السرور والفرح ، وذهب جم غفير منهم إلى أنّه لا ميت في شيء من الكواكب ايضا حتى اثبتوا لكلّ واحد منها نفسا على حدة تحركه حركة مستديرة على نفسه ، وابن سينا في «الشّفاء» مال إلى هذا القول ورجّحه وحكم به في النمط الخامس من (الإشارات) ولو قال به قائل لم يكن مجازفا وكلام ابن سينا وأمثاله وإن لم يكن حجّة يركن إليها الديانيون في أمثال هذه المطالب إلا أنّه يصلح للتأييد ولم يرد في الشريعة المطهرة على الصادع بها أفضل الصلوات وأكمل التسليمات ما ينافي هذا القول ، ولا قام دليل عقلي على بطلانه وإذا جاز أن يكون لمثل البعوضة والنّملة وما دونهما حياة فايّ مانع من أن يكون لتلك الاجرام
__________________
(١) الأنبياء : ٣٣.