الشيئين قد يشتركان في التنفير وان كان أحدهما أقوى من صاحبه ، ألا ترى انّ كثيرا من السخف والمجون والاستمرار عليه والانهماك فيه منفر لا محالة ، وانّ القليل من السخف الّذي لا يقع إلّا في الأحيان والأوقات المتباعدة منفّر أيضا ، وان فارق الأوّل في قوّة التّنفير ولم يخرجه نقصانه في هذا الباب عن الأوّل عن أن يكون منفرا في نفسه.
فان قيل : فمن أين انّ الصغائر لا تجوز على الأنبياء في حال النّبوة وقبلها؟
قلنا : الطريقة في نفي الصغائر في الحالين : هي الطريقة في نفي الكبائر في الحالين عند التأمّل لأنا كما نعلم انّ من نجوّز كونه فاعلا لكبيرة متقدمة قد تاب منها واقلع عنها ولم يبق معه شيء من استحقاق عقابها وذمّها لا يكون سكوننا إليه كسكوننا إلى من لا نجوّز ذلك عليه فكذلك نعلم أنّ من نجوّز عليه من الأنبياء عليهمالسلام أن يكون مقدما على القبائح مرتكبا للمعاصي في حال نبوّته أو قبلها وان وقعت مكفرة لا يكون سكوننا إليه كسكوننا إلى من نأمن منه كلّ القبائح ولا نجوّز عليه فعل شيء منها (١) انتهى كلامه زيد مقامه (٢).
ومرجع هذا الدّليل إلى ما قرّر في أصول الإماميّة من وجوب اللّطف عليه سبحانه ، فاللّطف الّذي حسّن التكليف وأوجب البعثة هو الّذي أوجب العصمة فيمن هو الحجّة ليتوفّر معها دواعي المكلّفين على الإقبال عليه والتوجّه إليه ، وحسن الظنّ به ، ضرورة انّه يرتسم في قلب كلّ عارف باتّصافه بصفة العصمة اشتماله على
__________________
(١) تنزيه الأنبياء ص ٤ ـ ٦.
(٢) بحار الأنوار ج ١١ ص ٩١ ـ ٩٤.