فلم ينفعهم التّوحيد كما لم ينفع إبليس ذلك السجود الطويل فانّه سجد سجدة واحدة أربعة آلاف عام ، لم يرد بها غير زخرف الدّنيا والتمكين من النظرة (١). الخبر.
وفي الخطبة القاصعة العلويّة المذكورة في النهج : الحمد لله الّذي لبس العزّ والكبرياء واختارهما لنفسه دون خلقه ، وجعلهما حمى وحرما على غيره ، واصطفاهما لجلاله ، وجعل اللّعنة على من نازعه فيهما من عباده ، ثمّ اختبر بذلك ملائكة المقرّبين ، ليميّز المتواضعين منهم عن المستكبرين ، فقال سبحانه وهو العالم بمضمرات القلوب ، ومحجوبات الغيوب : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ) ، اعترضته ، الحميّة ، فافتخر على آدم بخلقه ، وتعصّب عليه لأصله ، فعدو الله امام المتعصّبين ، وسلف المستكبرين الّذي وضع أساس العصبيّة ، ونازع الله رداء الجبريّة ، وأدرع لباس التّعزز ، وخلع قناع التذلّل ، إلى قوله عليهالسلام : فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذ أحبط عمله الطويل ، وجهده الجهيد ، وكان قد عبد الله ستّة آلاف سنة لا يدرى أمن سني الدّينا أم من سني الآخرة ، عن كبر ساعة واحدة فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله تعالى بمثل معصية؟ كلّا ما كان الله سبحانه ليدخل الجنّة بشرا بأمر أخرج به منها ملكا إنّ حكمه في أهل السّماء واهل الأرض لواحد ، وما بين الله وبين أحد من خلقه هوادة في اباحة حمى حرّمه على العالمين (٢) ، الخطبة.
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٢٧ ص ١٧٥ عن الاحتجاج ص ١٣٠.
(٢) الخطبة : ١٩٢ من نهج البلاغة.