(ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) (١) قصد إليها بعلمه ومشيّته وارادته قصدا تقتضيه الحكمة البالغة والقدرة الشاملة من قولهم : استوى إليه كالسهم المرسل إذا قصده قصدا من غير أن يلوي على شيء أو أقبل إليها آخذا في خلقها وإتقانها كما يظهر من تفسير الإمام (٢) عليهالسلام ، ويؤيده ما عن أحمد (٣) بن يحيى بن ثعلب من أنّ الاستواء في صفة الله هو الإقبال على الشيء يقال كان فلان مقبلا على فلان ثم استوى عليّ وإليّ يكلمني على معنى أقبل عليّ وإليّ أو استوى وعلا أمره الفعلي إلى ناحية السماء لإيجادها وتسويتها او استولى وقهر وملك كما ذكروه في قوله : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) (٤) ومنه قوله :
فلما علونا واستوينا عليهم |
|
تركناهم صرعى لنسر وكاسر |
وقال آخر :
قد استوى بشر على العراق |
|
من غير سيف ودم مهراق (٥) |
والمعنى استيلاؤه ملكا وتدبيرا وعلما وقدرة عليها كغيرها من سائر خلقه.
وقيل : انّ المراد تفرده بملكها وانّه لم يجعلها كالأرض ملكا لخلقه وهو ضعيف في المقام كضعف إرادته منه ولو في غيره سيّما مع التعدي «بإلى» دون «على» ومرجع الوسطين إلى الأوّل فلا تغفل ، وأمّا الاستواء بمعنى الانتصاب والاعتدال الذي ضدّه الاعوجاج فلا يتصف سبحانه به لأنّه من صفات الأجسام.
والمراد بالسماء جهة العلو أو الاجرام العلوية أو خصوص الأفلاك السبعة
__________________
(١) البقرة : ٢٩.
(٢) تفسير الامام العسكري عليهالسلام ص ٢١٥.
(٣) احمد بن يحيى بن زيد بن سيّار النحوي اللغوي الأديب المعروف بثعلب المتوفى س (٢٩١).
(٤) الأعراف : ٥٤ ، يونس : ٣.
(٥) مجمع البيان ج ١ ص ٧١.