إنّي جاعل في الأرض خليفة وإنّي عالم بانّه سيكون في ذرّيّته من يفسد فيها ويسفك الدّماء فحذف اختصارا للقرينة.
ومنها ما قيل ايضا في تأويلها وإن لم يخلو من ضعف مثل أنّ سؤالهم كان على وجه المبالغة في إعظام الله تعالى حيث أنّ العبد المخلص لشدّة حبّه لمولاه يكره أن يكون له عبد يعصيه وإنّ هذا الاستفهام خارج مخرج الإيجاب كقول جرير : «ألستم خير من ركب المطايا» اي أنتم كذلك ، وإلّا لم يكن مدحا فكانّهم قالوا : إنّك تفعل ذلك ونحن مع هذا نسبّح بحمدك لأنا نعلم في الجملة أنّك لا تفعل إلّا الحكمة والصواب فقال تعالى : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) من الاحاطة بظاهرهم وباطنهم وما يؤول اليه أمرهم وأمّا أنتم فانّما علمتم ظاهرهم وهو الفساد والقتل أو من الاحاطة والعلم بجميع افراد هذا النّوع حيث أنّ فيهم من هو المقصود الأعظم من خلق الملائكة وسائر العالم ، وأمّا أنتم فانّما نظرتم إلى بعض الإفراد الموجودة بالتّبعيّة لمصالح أخر ، وأمّا القدح فيهم بالغيبة فالامر فيه واضح ضرورة أنّ المقصود صدور الفعل من بعضهم ومثله لا يعدّ غيبة سيّما بالنّسبة إلى من لم يوجد بعد سلمنا لكنّه غيبة للفساق وهي جائزة ، هذا مضافا إلى عدم تسليم حرمة ذكر مثله لعلّام الغيوب لا سيّما من الملائكة الذين جملة منهم موكّلون بتفتيش اعمال الخلائق وإثباتها في الصّحف والشهادة عليها مع أنّ إيراد السؤال يوجب التّعرض لمحلّ الأشكال وأمّا التّمدح فلعلّه لإظهار النّعمة وشكرها ولتتمّة تقرير الشبهة ، وأمّا العجب وهو سوء ظن بهم ، وأمّا سوء الظّن فقد مرّ الكلام في مستند أخبارهم ، وأمّا التزكية والفحص والحسد والحرص وغير ذلك ممّا مرّ فتطرق المنع إلى استفادتها