بالحالة التي تقرع الناس بالذعر وتقرع الأجرام السماوية بالانفطار : أي التشقق والانتشار. وسميت «القيامة» العمامة .. لأنها تعم الناس .. وسميت القيامة في سورة «عبس» : الصاخة في قوله عزوجل : (فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ) : أي الصيحة التي تصم لشدتها من سمعها وهي نفخة إسرافيل في الصور التي تهلع النفوس منها .. قال تعالى في سورة «القمر» (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) و «الداعي» هو إسرافيل و «نكر» أي فظيع .. ويوم القيامة شيء فظيع تنكره النفوس وتخافه لهوله. وسمي أيضا : يوم الزحام .. عن علي بن أبي طالب ـ عليهالسلام ـ قبل يوم القيامة يأتي دخان من السماء يدخل في أسماع الكفرة حتى يكون رأس الواحد منهم كالرأس الحنيذ ـ أي الساخن ـ ويعتري المؤمن منه كهيئة الزكام وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه ليس فيه خصاص.
** (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثامنة عشرة المعنى : حيث ترتفع القلوب من أماكنها حتى تلحق بالحناجر أي تصير القلوب خوفا عند الحناجر ـ الحلوق وهو كناية عن شدة الهلع والخوف والهول والضيق والفزع من ذلك اليوم أي من يوم القيامة .. و «كاظمين» جمع «كاظم» اسم فاعل .. يقال : كظم الرجل غيظه ـ يكظمه ـ كظما ـ من باب «ضرب» بمعنى : اجترعه أي بلعه بمرة بمعنى حبسه وأمسك على ما في نفسه منه .. عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا قال للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : أوصني. قال : لا تغضب فردد مرارا قال : لا تغضب : أي اجتنب أسباب الغضب ولا تتعرض لما يجلبه. وقيل : اصبر على كظم الغيظ فإنه يورث الراحة ويؤمن الساحة.
** (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة التاسعة عشرة .. يقال خان الرجل ـ يخون ـ خونا وخيانة ومخانة .. من باب «قتل» ورجل خائن ـ اسم فاعل ـ وخائنة أيضا والهاء للمبالغة مثل علامة وقوم خونة .. ومعنى «خانه ـ خونا» هو كان به ضعف وفي نظره فترة ـ أي انكسار وضعف. وخانته رجلاه : معناه : لم يقدر على المشي. والخائن : هو من ينقض العهد أو الأمانة و «الخائنة» إضافة لكونه اسم فاعل للمذكر للمبالغة فهو اسم فاعل أيضا للمؤنث .. وفي الآية الكريمة سميت «الأعين» خائنة لمسارقتها النظر إلى محرم .. أي هي النظرة المحرمة .. أو نظراتهم الخائنة قال امرؤ القيس :
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي |
|
بسهميك في أعشار قلب مقتل |
استعار الشاعر هنا للحظ عينيها ودمعهما اسم السهم لتأثيرهما في القلوب وجرحهما إياه كما أن السهام تجرح الأجسام وتؤثر فيها. و «المقتل» هو المذلل غاية التذليل. ومعنى البيت هو ما بكيت إلا لتملكي قلبي كله وتفوزي بجميع أعشاره وتذهبي بكله. وقالت العرب : ليس لعين ما رأت ولكن ليد ما أخذت .. وهو حكم بحق رجلين أبصر الأول شيئا مطروحا فلم يأخذه ورآه آخر فأخذه فقال الذي لم يأخذه : أنا رأيته قبلك. فتحاكما ..
فصدر الحكم المذكور الذي صار مثلا.
** (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثانية والعشرين .. المعنى ذلك الإهلاك بسبب أنهم فحذف المشار إليه الصفة أو البدل «الإهلاك» لأن ما قبله دال عليه .. وأنث الفعل «كانت» و «تأتيهم» مع اسم «كان» المذكر «رسلهم» لأنه فصل عن فاعله أو أنث على لفظ الرسل الذي يدل على الجماعة لا على المعنى ـ وهو جمع رسول ـ.