** (أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الخمسين .. وكلمة «اللاتي» جمع «التي» وهي مؤنث «الذي» ومثناها اللتان «في حالة الرفع» و «اللتين» في حالتي النصب والجر وجمعها : اللاتي ـ كما في الآية الكريمة المذكورة ـ واللائي واللواتي. وتصغر «التي» فيقال : اللتيا. وإذا جمع بينهما في جملة أدتا معنى آخر نحو قولنا : وقع فلان في اللتيا والتي .. بمعنى : وقع في الصغيرة والكبيرة من الدواهي .. ويكنى بهما عن الشدة لأنهما اسمان من أسماء الداهية المتناهية وقيل : هما تصغير «التي» و «اللاتي» ويراد بالتصغير : التكثير. وقيل : إن «التي» هي الكبيرة و «اللتيا» هي الصغيرة : الداهية الكبيرة والداهية الصغيرة. وقيل : إن أصلهما ورد على لسان رجل من «جديس» تزوج امرأة صغيرة فقاسى منها الشدائد وكان يعبر عنها بالتصغير .. ثم تزوج امرأة طويلة فقاسى منها ضعف ما قاسى من الصغيرة فطلقها هي الأخرى وقال : بعد اللتيا والتي لا أتزوج أبدا. وقد اختلف النحاة في حركة لام «اللتيا» فقد قال بنصبها كل من «الصحاح» والحريري في درة الغواص .. قال عن ضم اللام : إنه لحن فاحش وغلط شائن ـ اسم فاعل للفعل «شان» ولا نقول : مشين .. لأن هذه اللفظة اسم فاعل للفعل الرباعي «أشان» الذي لم يرد في مصادر اللغة إلا ثلاثيا «شان» وقال ابن خالويه : أجمع النحويون على فتح لام «اللتيا» إلا أن الأخفش أجاز ضمها .. وقال بالفتح كل من الزمخشري في «الأساس» وابن منظور في «لسان العرب» وقال «تاج العروس» : الضم : لغة جائزة إلا أنها قليلة .. وقال بضم اللام فقط كل من ابن سيده وابن السكيت. و «السكيت» من صيغ المبالغة «فعيل بمعنى فاعل» أي الكثير السكوت ومثله أيضا : الساكوت : أي الدائم السكوت. وقيل : إن المثل المذكور آنفا هو كناية عن «الحية» وكنى عن الكبيرة بلفظ التصغير تشبيها بالحية فإنها إذا كثر سمها صغرت ؛ لأن السم يأكل جسدها. و «السم» هو مادة قاتلة لأنها إذا دخلت جوف الإنسان عطلت الأعمال الحيوية أو أوقفتها تماما. واللفظة تنطق بفتح السين على الأكثر وجمعها : سموم ـ بضم السين ـ وتنطق بضم السين لأنه لغة لأهل العالية وبكسر السين لغة لبني تميم. ومنه قيل سممت الطعام سما : بمعنى : جعلت فيه السم. وتطلق لفظة «سم» على ثقب الإبرة ملفوظة بضم السين وفتحها وكسرها .. والأشهر فتحها لأنها وردت في كتاب الله العظيم بفتح السين في قوله عزوجل في سورة «الأعراف» : (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) صدق الله العظيم. بمعنى : يستحيل عليهم دخول الجنة كاستحالة أن يدخل الجمل «البعير» في ثقب الإبرة. السم : الثقب .. والخياط : الإبرة. ذكر سبحانه ذلك التشبيه لكونه غاية في الضيق. ومن هذه اللفظة اشتقت كلمة «مسام البدن» وهي ثقبة ـ جمع ثقب ـ التي يبرز عرقه وبخار باطنه منها.
** (إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) : المعنى : أحللناها لك إن وهبت لك نفسها وأنت تريد أن تتزوجها لأن إرادته هي قبول الهبة وما به تتم. وقد حول سبحانه القول من المخاطبة «الخطاب» إلى الغيبة في قوله للنبي : «إن أراد النبي» ثم عاد جلت قدرته إلى المخاطبة في قوله عزّ من قائل ـ : «لك .. وعليك» والسبب هو الإيذان بأنه مما خص به وأثر ومجيؤه على لفظ النبي للدلالة على أن الاختصاص تكرمة له لأجل النبوة وتكريره تفخيم له وتقرير لاستحقاقه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ الكرامة لنبوته.