** (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الحادية والخمسين. يقال : ظل الرجل يعمل كذا : أي عمله بالنهار دون الليل .. وظل النهار ـ يظل .. من باب «ضرب» أي دام ظله وأنا في ظل فلان : أي في ستره وظل الليل : هو سوداه لأنه يستر الأبصار عن النفوذ .. و«رأوه» أي رأوا الزرع بمعنى : فأبصروا رحمة الله لأن رحمة الله هي الغيث وأثرها النبات ولأن معنى آثار الرحمة أي آثار رحمة الله : النبات. واسم «النبات» يقع على القليل والكثير لأنه مصدر سمي به ما ينبت.
** (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) : ورد هذا القول الكريم في نص الآية الكريمة الثانية والخمسين .. وفيه شبهوا بالموتى وهم أحياء والموتى لا ينتفعون بما يسمعون.
** (إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثالثة والخمسين وأفرد الفعل «يؤمن» على لفظ «من» وجاء بصيغة الجمع «هم مسلمون» على معنى «من».
** (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الرابعة والخمسين .. المعنى : خلقكم ضعفاء أو بمعنى ابتدأكم في أول الأمر ضعافا وذلك حال الطفولة ثم أمدكم بقوة أي قواكم ثم أضعفكم بالهرم والشيخوخة وسبب الضعف هو بدء التكوين من نطفة وجعل من بعد ضعف الطفولة قوة للشباب إلى مرحلة الهرم. و«الضعف» بفتح الضاد في لغة تميم وبضمها في لغة قريش خلاف القوة والصحة بالمضموم مصدر «ضعف» مثل «قرب قربا» والمفتوح مصدر ضعف ضعفا .. من باب «قتل» ومنهم من يجعل المفتوح في الرأي والمضموم في الجسد وهو ضعيف وهم ضعفاء وضعاف أيضا .. وقد ضربت العرب الأمثال بالفراشة في الذلة والجهل والضعف فقالت : فلان أضعف من فراشة وأذل وأجهل .. والفراشة : جمعها فراش. وجاء هذا الوصف في هجاء جرير الفرزدق وقومه فقال :
إن الفرزدق ما علمت وقومه |
|
مثل الفراش غشين رأس المصطلى |
شبههم بالفراش في الكثرة والانتشار والضعف والذلة والتطاير إلى الداعي من كل جانب كما يتطاير الفراش إلى النار. يقول جرير : إن الفرزدق وقومه دوام علمي بهم ضعفاء أذلاء جهلاء أمثال الفراش في الضعف والذلة. و«المصطلى» هو موضع النار وسمي فراشا لتفرشه وانتشاره ومن أبيات الحماسة :
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا |
|
مني وما سمعوا من صالح دفنوا |
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به |
|
وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا |
جهلا علي وجبنا من عدوهم |
|
لبئست الخلتان الجهل والجبن |
وقال الشاعر عن الشيب :
أنكرتني أن شاب مفرق رأسي |
|
كل محلولك إلى إخلاس |
في هذا البيت حذف فاعل «شاب» للعلم به وهو «الشعر» ونصبت كلمة «مفرق» بعد نزع الخافض أي على حذف حرف الجر «في» التقدير : أن شاب الشعر في مفرق رأسي. أما «الإخلاس» فمعناه الابيضاض .. ومحلولك : بمعنى : ذو سواد .. من احلولك الشيء : أي اشتد سواده. والمصدر المؤول «أن شاب» في محل نصب مفعول لأجله. و«كل» مبتدأ وشبه الجملة «إلى إخلاس» في محل رفع خبره. وقال النابعة الذبياني :
على حين عاتبت المشيب على الصبا |
|
فقلت ألما تصح والشيب وازع |