** (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثالثة والأربعين.. وأنّث الفعل «تسبق» مع فاعله المؤنّث «أمّة» على اللفظ وذكر الفعل وجمع في يستأخرون» على معنى «أمة» وهي الجماعة لأن هذه اللفظة «أمة» في اللفظ مفرد. وفي المعنى : جمع على تقدير «أهل أمة» بدليل «يستأخرون» وكررت في الآية الكريمة التالية في قوله تعالى : (لَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ) وبدليل قوله فبعدا لقوم لا يؤمنون.
** (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا) : هذا القول الكريم هو بداية الآية الكريمة الرابعة والأربعين.. المعنى : يتوالون الواحد بعد الآخر إلى تلك الأمم أو يتبع بعضهم بعضا وهنا أيضا أنّث الفعل «تترى» على لفظ «الرسل» بمعنى جماعة الرسل وذكّر في قوله «بعضهم» و «جعلناهم أحاديث» على المعنى لأن «رسل» جمع «رسول» بدليل قوله : «كذّبوه» والمعنى : وصيّرناهم أحاديث : وهي هنا جمع «أحدوثة» وهي ما يتحدث به الناس تلهيا وتعجبا. والانتقال من اللفظ إلى المعنى وبالعكس كثير في كلام العرب.. قال الشاعر : أنا الذي سمّتني أمي حيدرة.. ووجه الكلام : أنا الذي سمّته.. ليرجع الضمير من الصلة إلى الموصول ولكن ذهب إلى المعنى.. كأنه قال : أنا أنا سمّتني.
** (فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ) : هذا هو نص الآية الكريمة السابعة والأربعين.. المعنى : أنؤمن لرجلين.. وقد وردت لفظة «بشر» في القرآن الكريم مفردة في آيات وعلى معنى الجمع في آيات أخرى. والمراد ببشرين هنا : موسى وأخوه هارون. يقال : باشر الرجل الأمر : أي تولّاه ببشرته وهي يده.. لأن «البشر» جمع «بشرة» وهي بمعنى : ظاهر الجلد ثم أطلق على الإنسان واحده ـ مفرده ـ وجمعه. ولكنّ العرب ثنّوه نحو «بشرين» ولم يجمعوه.. وبعد شيوع استعمال «باشر الأمر» استعمل في الملاحظة وتطلق لفظة «البشر» على الإنسان ذكرا كان أو أنثى واحدا وجمعا. وأبو البشر هي كنية آدم. وقيل : البشر يعني أيضا الخلق.. الأنام.. وقد ورد بهذا المعنى في قول المتنبّي :
وصرت أشكّ فيمن أصطفيه |
|
لعلمي إنّه بعض الأنام |
ولم أر في عيوب الناس شيئا |
|
كنقص القادرين على التمام |
و «مثلنا» يوصف به المذكر والمؤنث والجمع ومعناه هنا : أنؤمن لرجلين شبيهين لنا يتولان هدايتنا؟. ويقال : هو وهي وهما وهم وهنّ مثله. و «المثل» بكسر الميم وسكون الثاء أمّا «المثل» بفتح الميم والثاء فمعناه : الوصف.. وهو ما يضرب به من الأمثال. وقيل : المثل : هو الشبيه أو الشبه ويوصف به المذكر والمؤنث والجمع.. والمثيل : هو الشبيه والنظير أيضا. يقال : ماثله مماثلة : بمعنى : شابهه مشابهة وقد استعمل الناس «المثال» بمعنى الوصف والصورة فقالوا : مثاله كذا : أي وصفه وصورته.
** (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ) : في هذا القول الكريم الوارد في مستهلّ الآية الكريمة الخمسين.. التقدير : وجعلنا عيسى ابن مريم.. فحذف المفعول به «عيسى» اختصارا لأنه معلوم وحلّ البدل «ابن مريم» محلّه.
** (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) : المعنى : وأنزلناهما إلى مكان عال في قرار وماء نابع من الأرض. وقيل : إنّ ميم كلمة «معين» مختلف في زيادتها وأصلها. فثمة من جعله مفعولا أنه مدرك بالعين لظهوره من عانه إذا أدركه بعينه.. وهناك من جعله فعيلا أنه نفاع بظهوره وجريه من الماعون وهو المنفعة. و «المعين» هو الماء الظاهر الجاري على وجه الأرض وفي الآية