واللغة فيه ونظرا لأهميته وفائدته أدّون ما جاء في قوله : ونقل عن بعضهم أنه أعاد الضمير على «كثيره» فيبقى المعنى على قوله فقليل الكثير حرام حتى لو شرب قدحين ـ كأسين ـ من النبيذ مثلا ولم يسكر بهما وكان يسكر بالثالث فالثالث كثير فقليل الثالث وهو الكثير حرام دون الأوّلين وهذا كلام منحرف عن اللسان العربي لأنه إخبار عن الصلة دون الموصول فهو ممنوع باتفاق النحاة وقد اتفقوا على إعادة الضمير من الجملة على المبتدأ ليربط به الخبر فيصير المعنى الذي يسكر كثيره فقليل ذلك الذي يسكر كثيره حرام وقد صرح به في الحديث فقال كل مسكر حرام وما أسكر الفرق منه ـ أي المكيال منه ـ فملء الكف منه حرام ولأن الفاء رابطة جواب لما في المبتدأ من معنى الشرط والتقدير : مهما يكن من شيء يسكر كثيره فقليل ذلك الشيء حرام ونظيره : الذي يقوم غلامه فله درهم. والمعنى : فلذلك الذي يقوم غلامه. ولو أعيد الضمير على الغلام بقي التقدير : الذي يقوم غلامه فللغلام درهم فيكون إخبارا عن الصلة دون الموصول فيبقى المبتدأ بلا رابط فتأمله. وفيه فساد من جهة المعنى أيضا لأنه إذا أريد فقليل الكثير حرام يبقى مفهومه فقليل القليل غير حرام فيؤدي إلى إباحة ما لا يسكر من الخمر وهو مخالف للإجماع.
** سبب نزول الآية : نزلت هاتان الآيتان : الأولى والثانية ليلا في غزوة بني المصطلق.. فقرأها رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ على الناس فلم ير باكيا أكثر من تلك الليلة وأصبح الناس بين باك وجالس حزين مفكر.
** (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ) : في هذا القول الكريم الوارد في بداية الآية الكريمة الثالثة حذف المضاف «وجود» وأقيم المضاف إليه للتعظيم لفظ الجلالة مقامه لأن التقدير : في وجود الله.
** (وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ) : ويتبع وساوس أو خطوات كل شيطان متمرد على الله عات فحذف المفعول به المضاف «خطوات» وحلّ المضاف إليه «الشيطان» محله.
** (وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) : هذا القول الكريم هو آخر الآية الكريمة الرابعة.. و «السعير» أي لهب النار المتوهجة يقال : سعرت النار ـ تسعر ـ سعرا.. من باب «نفع» أي اتّقدت. ويتعدى الفعل الرباعي إلى المفعول.. نحو : أسعرتها إسعارا : بمعنى : أوقدتها فاستعرت. وسعر الحرب أو النار : أي هيّجها وألهبها وهذا يعني أن الثلاثي يأتي لازما ومتعديا ويأتي الفعل مبنيا للمجهول نحو : سعرت النار أو الجحيم وسعّرت ـ أي بالتخفيف والتشديد للمبالغة.. ويأتي من الثلاثي الفعل المزيد للمعنى نفسه نحو : استعرت النار وتسعّرت : أي توقّدت.
** (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الخامسة.. التقدير والمعنى : فإنّا خلقنا أصلكم آدم من تراب وخلقنا ذريته من نطفة وهو ماء الرجل القليل.. وقيل : النطفة هنا : كناية عن ماء الرجل ومن تراب.. لأن أصل النطفة الأغذية وهي من تراب. وبعد حذف المفعول به «أصل» عدّي الفعل «خلقنا» إلى ضمير المخاطبين في «أصلكم» أي إلى المضاف إليه فصار : خلقناكم.
** (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) : أي لنبيّن لكم قدرتنا وحكمتنا بهذا التدريج وهو نقلناكم من حال إلى حال ومن خلقة إلى خلقة.. فحذف مفعول «نبيّن» اختصارا لأنه معلوم وهو «قدرتنا».
** (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) : هذا القول الكريم هو بداية الآية الكريمة السادسة. التقدير : ذلك المذكور من خلق الإنسان ومروره بهذه الأطوار.. فحذف النعت أو البدل المشار إليه «المذكور».