أي : بعثه بعد موته (لَقادِرٌ) وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما ، والثاني : أنه ضمير
الماء ، أي : رجع المنيّ في الإحليل أو الصلب وهذا قول مجاهد. وعن الضحاك أنّ
المعنى : إنه على ردّ الإنسان في الكبر إلى الشباب ومن الشباب إلى الكبر. وقال ابن
زيد : إنه على حبس ذلك الماء حتى لا يخرج ؛ لقادر. وقال الماوردي : يحتمل أنه قادر
على أن يعيده إلى الدنيا بعد بعثه إلى الآخرة ؛ لأنّ الكفار يسألون فيها الرجعة.
وقوله تعالى : (يَوْمَ) منصوب برجعه ومن يجعل الضمير في رجعه للماء وفسره برجعه
إلى مخرجه من الصلب والترائب ، أو الإحليل وحاله الأولى نصب الظرف بمضمر ، أي :
واذكر يوم. (تُبْلَى) تختبر وتكشف ، (السَّرائِرُ) أي : ما أسرّ في القلوب من العقائد والنيات وغيرهما وما
أخفى الأعمال وذلك يوم القيامة وبلاؤها تعرفها وتصفحها والتمييز بين ما طاب منها
وما خبث. وعن الحسن أنه سمع رجلا ينشد :
سيبقى لها في
مضمر القلب والحشا
|
|
سريرة ودّ
يوم تبلى السرائر
|
فقال : ما
أغفله عما في والسماء والطارق. وقال عطاء بن رباح : إن السرائر فرائض الأعمال
كالصوم والصلاة والوضوء والغسل من الجنابة ، فإنها سرائر بين الله تعالى وبين
العبد ، ولو شاء العبد لقال : صمت ولم يصم ، وصليت ولم يصل ، واغتسلت ولم يغتسل
فيختبر حتى يظهر من أداها ممن ضيعها. وقال ابن عمر : يبدي الله تعال كل سرّ فيكون
زينا في وجوه ، وشينا في وجوه. يعني : فمن أدّاها كان وجهه مشرقا ، ومن لم يؤدها
كان وجهه أغبر.
(فَما لَهُ) أي : لهذا الإنسان المنكر للبعث الذي أخرجت سرائره.
وأغرق في النفي والتعميم فقال تعالى : (مِنْ قُوَّةٍ) أي : منعة في نفسه يمتنع بها (وَلا ناصِرٍ) أي : ينصره من عذاب الله تعالى فيدفعه عنه.
ثم ذكر تعالى
قسما آخر فقال تعالى : (وَالسَّماءِ) أي : التي تقدّم الإقسام بها ، وصفها بما يؤكد العلم
بالبعث فقال تعالى : (ذاتِ الرَّجْعِ) أي : التي ترجع بالدوران إلى الموضع الذي تتحرك عنه
فترجع الأحوال التي كانت ، وتصرّمت من الليل والنهار والشمس والقمر والكواكب ،
والفصول من الشتاء وما فيه من برد ومطر ، والصيف وما فيه من حرّ وصفاء وسكون ،
وغير ذلك. وقيل : ذات النفع. وقيل : ذات الملائكة لرجوعهم فيهم بأعمال العبادة.
وقيل : ذات المطر لعوده كل حين ، أو لما قيل : من أن السحاب تحمل الماء من البحار
، ثم ترجعه إلى الأرض ، وعلى هذا يجوز أن يراد بالسماء السحاب.
(وَالْأَرْضِ) أي : مسكنكم الذي أنتم ملابسوه ومعاينوه كل وقت. (ذاتِ الصَّدْعِ) أي : تنصدع عن النبات والشجر والثمار والأنهار والعيون
، نظيره : قوله تعالى : (ثُمَّ شَقَقْنَا
الْأَرْضَ شَقًّا) [عبس : ٢٦] الآية والصدع بمعنى الشق لأنه يصدع الأرض فتنصدع به فكأنما قال
تعالى : والأرض ذات النبات. وقال مجاهد : ذات الطرق التي تصدعها المشاة ، وقيل :
ذات الحرث لأنه يصدعها ،
__________________