(وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ) [الطور : ٢١] ألحقنا بهم ذرياتهم ، واشتقاق الثلة وهي مبتدأ من الثل وهو القطع والخبر (عَلى سُرُرٍ) جمع سرير وهو ما يجعل للإنسان من المقاعد العالية المصنوعة للراحة والكرامة (مَوْضُونَةٍ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : منسوجة بالذهب ، وقال عكرمة : مشبكة بالدرّ والياقوت ؛ وعن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا : موضونة ، أي : مصفوفة لقوله تعالى في موضع آخر : (عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) [الصافات : ٤٤] وقيل : منسوجة بقضبان الذهب مشبكة بالدرّ والياقوت ، والموضونة المنسوجة ، وأصله : من وضنت الشيء أي : ركبت بعضه على بعض ، ومنه قيل للدرع موضونة لتركب حلقها قال الأعشى (١) :
ومن نسج داود موضونة |
|
تسير مع الحيّ عيرا فعيرا |
ومنه أيضا وضين الناقة وهو حزامها لتراكب طاقاته ، قال عمر رضي الله عنه : وهو مار بواد محسر (٢) :
إليك تعد وقلقا وضينها |
|
معترضا في بطنها جنينها |
مخالفا دين النصارى دينها |
رواه البيهقي. ومعناه أن ناقتي تعدو إليك مسرعة في طاعتك قلقا ، وضينها وهو حبل كالحزام من كثرة السير والإقبال التام والاجتهاد البالغ في طاعتك ؛ والمراد : صاحب الناقة فيسنّ للمار بوادي محسر أن يقول هذا الكلام الذي قاله عمر رضى الله تعالى عنه.
ولما ذكر تعالى السرر وبين عظمتها ذكر غايتها فقال سبحانه : (مُتَّكِئِينَ عَلَيْها) أي : السرر على الجنب أو غيره كحال من يكون على كرسي فيوضع تحته شيء آخر للاتكاء عليه (مُتَقابِلِينَ) فلا ينظر بعضهم إلى قفا بعض ، وقال مجاهد وغيره : هذا في المؤمن وزوجته وأهله أي : يتكؤون متقابلين ، قال الكلبي طول كل سرير ثلث مئة ذراع ، فإذا أراد العبد أن يجلس عليها تواضعت فإذا جلس عليها ارتفعت وقيل : إنهم صاروا أرواحا نورانية صافية ليس لهم أدبار ولا ظهور.
تنبيه : (مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ) حالان من الضمير في على سرر ، ويجوز أن تكون حالا متداخلة فيكون متقابلين حالا من ضمير متكئين ، ثم بين تعالى أنهم في غاية الراحة بقوله تعالى : (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ) أي : لكفاية كل ما يحتاجون إليه (وِلْدانٌ) أي : على أحسن صورة وزي وهيئة (مُخَلَّدُونَ) قد حكم الله تعالى ببقائهم على ما هم عليه من الهيئة على شكل الأولاد قال الحسن والكلبي : لا يهرمون ولا يتغيرون ، ومنه قول امرئ القيس (٣) :
وهل ينعمن إلا سعيد مخلد |
|
قليل الهموم ما يبيت بأوجال |
وقال سعيد بن جبير : مخلدون مقرّطون ، يقال للقرط : الخلد ، والقرط ما يجعل في الأذنين من الحلق ؛ وقيل : مقرّطون أي ممنطقون من المناطق والمنطقة ما يجعل في الوسط ؛ وأكثر المفسرين أنهم على سن واحد أنشأهم الله تعالى لأهل الجنة ، يطوفون عليهم نشؤا من غير ولادة فيها لأنّ الجنة لا ولادة فيها ؛ وقال عليّ بن أبي طالب والحسن البصري رضى الله عنهم : الولدان
__________________
(١) البيت من المتقارب ، وهو في ديوان الأعشى ص ١٤٩ ، ولسان العرب (وضن) ، وتاج العروس (وضن).
(٢) الرجز بلا نسبة في لسان العرب (قلق) ، (ودن) ، (وضن) ، وتاج العروس (قلق) ، (وضن).
(٣) البيت من الطويل ، وهو في ديوان امرئ القيس ص ٢٧.