وجاءت إليهم ثلة خندفية |
|
تجيش كتيار من السيل مزبد |
قال ابن عادل : ولم يقيدها غيره بل صرّح بأنها الجماعة ؛ قلت : أو كثرت ثم قال : والكثرة التي فهمها الزمخشري قد تكون من السياق ا. ه. لكن قال البغوي : والثلة جماعة غير محصورة العدد (مِنَ الْأَوَّلِينَ) أي : من الأمم السابقة من لدن آدم إلى محمد صلىاللهعليهوسلم من النبيين عليهمالسلام ومن آمن بهم (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) وهم من آمن بمحمد صلىاللهعليهوسلم فقد كان الأنبياء عليهمالسلام مئة ألف ونيفا وعشرين ألفا ، وكان من خرج مع موسى عليهالسلام من مصر وهو مؤمن به من الرجال المقاتلين ممن هو فوق العشرين ودون الثمانين ست مئة ألف ، فما ظنك بمن عداهم من الشيوخ ومن دون العشرين من البالغين الصبيان ومن النساء ، فكيف بمن عداه من سائر النبيين عليهمالسلام المجدّدين من بني إسرائيل وغيرهم. قال البيضاوي : ولا يخالف ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : «أمتي يكثرون سائر الأمم» (١). لجواز أن يكون سابقو سائر الأمم أكثر من سابقي هذه الأمة ، وتابعوا هذه الأمّة أكثر من تابعيهم.
قيل : لما نزلت هذه الآية شق على أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم فنزلت (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة بل نصف أهل الجنة وتقاسمونهم في النصف الثاني» (٢). رواه أبو هريرة رضي الله عنه. ذكره الماوردي وغيره ومعناه ثابت في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن مسعود وكأنه أراد أنها منسوخة ؛ قال الرازي : وهذا في غاية الضعف لأنّ عدد أمة محمد صلىاللهعليهوسلم كان في ذلك الزمان بل إلى آخر الزمان بالنسبة إلى ما مضى في غاية القلة والمراد بالأولين الأنبياء وكبار أصحابهم وهم إذا اجتمعوا كانوا أكثر من السابقين من هذه الأمّة ولأنّ هذا خبر والخبر لا ينسخ ، وقال الحسن : سابقوا من مضى أكثر من سابقينا فلذا قال تعالى : (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) وقال في أصحاب اليمين : وهم سوى السابقين (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) ولذا قال صلىاللهعليهوسلم : «إنى لأرجو أن تكون أمتي شطر أهل الجنة ثم تلا (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) وروى الطبراني : أنّ الثلة والقليل كلاهما من هذه الأمة فتكون الصحابة كلهم من هذه الثلة ، وكذا من تبعهم بإحسان إلى رأس القرن الثالث وهم لا يحصيهم إلا الله تعالى ؛ ومن المعلوم أنه تناقص الأمر بعد ذلك إلى أن صار السابق في الناس أقل من القليل لرجوع الإسلام إلى الحال التي بدأ عليها من الغربة ، «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء» (٣) أي وهم الذين إذا فسد الناس صلحوا ، كما فسر به النبيّ صلىاللهعليهوسلم ذلك ، وقال أبو بكر : كلا الثلتين من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم فمنهم من هو في أول أمته ، ومنهم من هو في آخرها ، وهو مثل قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) [فاطر : ٣٢] وقيل : المراد بالأولين (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) وبالآخرين (ذُرِّيَّاتِهِمْ) الملحقون بهم في قوله تعالى :
__________________
(١) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.
(٢) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء حديث ٣٣٤٨ ، ومسلم في الإيمان حديث ٢٢١ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٤٢٨٣.
(٣) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ٢٣٢ ، وابن ماجه حديث ٣٩٨٦ ، ٣٩٨٨ ، وأحمد في المسند ١ / ٣٩٨ ، ٤ / ٧٣.