يقال له لم فعلت كذا؟ على أنّ ذلك اليوم طويل وهو ذو ألوان تارة يسأل فيه ، وتارة لا يسأل والأمر في غاية الشدّة وكل لون من تلك الألوان يسمى يوما فيسأل في بعض ولا يسأل في بعض وقيل : المعنى لا يسألون إذا استقروا في النار. وقال الحسن وقتادة : لا يسألون عن ذنوبهم لأنّ الله تعالى حفظها عليهم وكتبتها الملائكة ؛ رواه العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما. وعن الحسن ومجاهد : لا تسأل الملائكة عنهم لأنهم يعرفونهم بسيماهم ؛ دليله قوله تعالى : (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) [الرحمن : ٤١]. ورواه مجاهد عنه أيضا : في قوله تعالى : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [الحجر : ٩٢] وقوله تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) [الرحمن : ٣٩] قال لا يسألهم ليعرف ذلك منهم ولكنه يسألهم لم عملتموها سؤال توبيخ ؛ وقال أبو العالية : لا يسأل غير المجرم عن ذنب المجرم ؛ وقال قتادة : يسألون قبل الختم على أفواههم ثم يختم على أفواههم وتتكلم جوارحهم شاهدة عليهم.
تنبيه : الجانّ هنا وفيما يأتي بمعنى الجني والإنس بمعنى الإنسي.
(فَبِأَيِّ آلاءِ) أي : نعم (رَبِّكُما) أي : الذي ربى كلا منكم بما لا مطمع في إنكاره ولا خفاء فيه (تُكَذِّبانِ) أبتلك النعم أم بغيرها مما أنعم الله تعالى على عبادة المؤمنين في هذا اليوم؟.
(يُعْرَفُ) أي : لكل أحد (الْمُجْرِمُونَ) أي : العريقون في هذا الوصف (بِسِيماهُمْ) أي العلامات التي صور الله تعالى ذنوبهم فيها ، فجعلها ظاهرة بعد أن كانت باطنة وظاهرة الدلالة عليهم ، كما يعرف الآن الليل إذا جاء لا يخفى على أحد أصلا وكذا النهار ونحوهما لغير الأعمى ؛ قال البقاعي : وتلك السيمى والله أعلم زرقه العيون ، وسواد الوجوه ، والعمى والصمم والمشي على الوجوه ، ونحو ذلك ، وكما يعرف المحسنون بسيماهم : من بياض الوجوه ، وإشراقها ، وتبسمها ، والغرّة والتحجيل ، ونحو ذلك.
وسبب عن هذه المعرفة قوله تعالى مشيرا بالبناء للمفعول إلى سهولة الأخذ من أيّ آخذ كان (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي) أي : منهم وهي مقدمات الرؤوس (وَالْأَقْدامِ) بعد أن يجمع بينها فيسحبون بها سحبا من كل ساحب أقامه الله تعالى لذلك لا يقدرون على الامتناع بوجه فيلقون في النار ؛ وقال الضحاك : يجمع بين ناصيته وقدميه في سلسلة من وراء ظهره وعنه يؤخذ برجلي الرجل فيجمع بينهما وبين ناصيته حتى يندق ظهره ، ثم يلقى في النار ؛ وفعل بالكافر ذلك ليكون أشدّ لعذابه ؛ وقيل : تسحبه الملائكة إلى النار تارة تأخذ بناصيته وتجره على وجهه وتارة تأخذ بقدميه وتسحبه على وجهه.
(فَبِأَيِّ آلاءِ) أي : نعم (رَبِّكُما) أي : المنعم عليكما الذي دبر مصالحكم بعد أن أوجدكم (تُكَذِّبانِ) أبتلك النعم أم بغيرها مما وعد أن يفعل من الجزاء في الآخرة لكل شخص بما كان يعمل في الدنيا أو غير ذلك من الفضل؟.
(هذِهِ جَهَنَّمُ) أي : يقال لهم إذا ألقوا فيها هذه جهنم (الَّتِي يُكَذِّبُ) أي : ماضيا وحالا ومآلا استهانة ؛ ولو ردّوا إلى الدنيا بعد إدخالهم إياها لعادوا لما انهوا عنه.
(بِهَا الْمُجْرِمُونَ) أي : المشركون الحقيقون بالإجرام ، وهو قطع ما من حقه أن يوصل وهو ما أمر الله تعالى به وخص هذا الاسم إشارة إلى أنها تلقاهم بالتجهم والعبوسة والكلاحة والفظاعة كما كانوا يفعلون مع الصالحين عند الإجرام المذكور.