ميت وكل جديد بال ، وصاح خطاف فقال : أتدرون ما يقول قالوا : لا قال فإنه يقول : قدّموا خيرا تجدوه ، وهدرت حمامة فقال : أتدرون ما تقول؟ قالوا : لا ، قال فإنها تقول : سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه ، وصاح قمري فقال : أتدرون ما يقول قالوا : لا ، قال : فإنه يقول سبحان ربي الأعلى ، قال والغراب يدعو على العشار ، والحدأة تقول كل شيء هالك إلا الله ، والقطاة تقول من سكت سلم ، والببغاء تقول ويل لمن الدنيا همه والضفدع يقول سبحان رب القدّوس ، ويقول أيضا سبحان ربي المذكور بكلّ لسان ، والباز يقول سبحان ربي وبحمده ، وعن مكحول قال : صاح دراج عند سليمان فقال أتدرون ما يقول هذا؟ قالوا : لا قال : فإنه يقول : الرحمن على العرش استوى.
وروي عن فرقد السبخيّ قال مرّ سليمان على بلبل فوق شجرة يحرّك رأسه ويميل ذنبه فقال لأصحابه أتدرون ما يقول هذا البلبل؟ قالوا الله ونبيه أعلم قال يقول أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء : وهو بالفتح والمدّ التراب ، وقال أبو عبيد : هو الدروس ، وفي حديث صفوان : «إذا دخلت بيتي فأكلت رغيفا وشربت عليه فعلى الدنيا العفاء» ، وروي أنّ جماعة من اليهود قالوا لابن عباس إنا سائلوك عن سبعة أشياء فإن أخبرتنا آمنا وصدّقنا ، قال : اسألوا تفقها ولا تسألوا تعنتا ، قالوا : أخبرنا ما يقول القنبر في صفيره والديك في صعيقه والضفدع في نعيقه والحمار في نهيقه والفرس في صهيله وما يقول الزرزور والدرّاج ، قال نعم أمّا القنبر فيقول : اللهمّ العن مبغضي محمد وآل محمد ، وأمّا الديك فيقول : اذكروا الله يا غافلين ، وأمّا الضفدع فيقول : سبحان المعبود في لجج البحار ، وأمّا الحمار فيقول : اللهمّ العن العشار ، وأمّا الفرس فيقول : إذا التقى الصفان سبوح قدّوس رب الملائكة والروح ، وأما الزرزور فيقول : اللهمّ إني أسألك قوت يوم بيوم يا رزاق ، وأمّا الدراج فيقول : الرحمن على العرش استوى قال : فأسلم اليهود وحسن إسلامهم.
ويروى عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جدّه عن الحسين بن عليّ قال : إذا صاح النسر قال : ابن آدم عش ما شئت آخره الموت ، وإذا صاح العقاب قال : في البعد من الناس أنس ، وإذا صاح القنبر قال : إلهي العن مبغضي آل محمد ، وإذا صاح الخطاف قرأ : الحمد لله رب العالمين ويمدّ ولا الضالين كما يمدّ القارئ.
وقول سليمان عليهالسلام (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) أي : تؤتاه الأنبياء والملوك ، قال ابن عباس من أمر الدنيا والآخرة ، وقال مقاتل : يعني النبوّة والملك وتسخير الجنّ والإنس والرياح (إِنَّ هذا) أي : الذي أوتيناه (لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) أي : البين في نفسه لكلّ من ينظره الموضح لعلوّ قدر صاحبه ، روي أنّ سليمان أعطي ملك مشارق الأرض ومغاربها فملك أربعين سنة وستة أشهر جميع أهل الدنيا من الجنّ والأنس والدواب والطير والسباع وأعطى مع ذلك منطق الطير ، وفي زمانه صنعت الصنائع العجيبة ، فقوله : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) تقرير لقوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا) والمقصود منه الشكر والحمد ، كما قال صلىاللهعليهوسلم : «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» (١) ، فإن قيل : كيف قال علمنا وأوتينا وهو كلام المتكبر؟ أجيب بوجهين : الأوّل : أنه يريد نفسه وأباه كما مرّ ، الثاني : أنّ هذه النون يقال لها نون الواحد المطاع وكان ملكا مطاعا.
__________________
(١) أخرجه مسلم في الفضائل حديث ٣ ، والترمذي في تفسير القرآن حديث ٣١٤٨ ، والمناقب حديث ٣٦١٥ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٣٤٠٨ ، وأحمد في المسند ١ / ٢٨١ ، ٣ / ٢.