في النار هم الملائكة ، وذلك أنّ النور الذي رآه موسى عليهالسلام كان فيه الملائكة لهم زجل بالتسبيح والتقديس ومن حولها
هو موسى لأنه كان بالقرب منها ولم يكن فيها ، وقال سعيد بن جبير : كانت النار
بعينها والنار إحدى حجب الله تعالى ، كما جاء في الحديث : «حجابه النار لو كشفها
لأحرقت سبحات وجهه» الحديث.
تنبيه : بارك يتعدّى بنفسه وبحرف الجرّ يقال باركك الله وبارك
عليك وبارك فيك وبارك لك ، وقال الشاعر :
فبوركت
مولودا وبوركت ناشئا
|
|
وبوركت عند
الشيب إذ أنت أشيب
|
قال الزمخشريّ
: والظاهر أنه عامّ في كل من في تلك الأرض وفي ذلك الوادي وحواليهما من أرض الشأم
، ولقد جعل الله تعالى أرض الشأم الموسومة بالبركات لكثرتها مبعث الأنبياء ،
وكفاتهم أحياء وأمواتا ، ومهبط الوحي عليهم ، وخصوصا تلك البقعة التي كلم الله
فيها موسى عليهالسلام وقوله تعالى (وَسُبْحانَ
اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) من تمام ما نودي به لئلا يتوهم من سماع كلامه تشبيها ،
وللعجب من عظمة الله في ذلك الأمر فإنه أتاه النداء ، كما ورد من جميع الجهات
فسمعه بجميع الحواس ، أو تعجب من موسى لما دعاه من عظمته.
ولما تشوفت
النفس إلى تحقق الأمر تصريحا ، قال تعالى تمهيدا لما أراد سبحانه إظهاره على يد
موسى عليهالسلام من المعجزات الباهرات : (يا
مُوسى إِنَّهُ) أي : الشأن العظيم الجليل الذي لا يبلغ وصفه ، وجملة (أَنَا اللهُ) أي : البالغ في العظمة ما تقصر عنه الأوهام ، مفسرة له
، أو المتكلم ، وأنا خبر ، والله بيان له ، ثم وصف تعالى نفسه بوصفين يدلان على ما
يفعله مع موسى عليهالسلام : أحدهما : (الْعَزِيزُ) أي : الذي يصل إلى سائر ما يريد ولا يرده عن مراده راد
، والثاني : (الْحَكِيمُ) أي : الذي يفعل كل ما يفعله بحكمة وتدبير.
فإن قيل : هذا
النداء يجوز أن يكون من عند غير الله تعالى ، فكيف علم موسى أنه من الله تعالى؟
أجيب : بأنه سمع الكلام المنزه عن شائبة كلام المخلوقين لأنّ النداء أتاه من جميع
الجهات وسمعه بجميع الحواس كما مر ، فعلم بالضرورة أنه صفة الله سبحانه وتعالى.
ثم أرى الله
سبحانه وتعالى موسى عليهالسلام آية تدلّ على قدرته ليعلم علم شهود وهي قوله تعالى : (وَأَلْقِ عَصاكَ) فألقاها كما مرّ فصارت في الحال ، كما آذنت به الفاء
حية عظيمة جدّا ، ومع كونها في غاية العظم في نهاية الخفة والسرعة في اضطرابها عند
محاولتها ما تريد (فَلَمَّا
رَآها تَهْتَزُّ) أي : تضطرب في تحرّكها مع كونها في غاية الكبر (كَأَنَّها جَانٌ) أي : حية صغيرة في خفتها وسرعتها فلا ينافي ذلك كبر
جثتها (وَلَّى) أي : موسى عليهالسلام ثم إنّ التولية مشتركة بين معان ، فلذا بين المراد منها
بقوله تعالى : (مُدْبِراً) أي : التفت هاربا منها مسرعا جدّا لقوله تعالى : (وَلَمْ يُعَقِّبْ) أي : لم يرجع على عقبه ولم يلتفت إلى ما وراءه بعد
توليه.
تنبيه : قال الزمخشري : وألق عصاك معطوف على بورك لأنّ المعنى
نودي أن بورك من في النار وأن ألق عصاك كلاهما تفسير لنودي ، والمعنى قيل : له :
بورك من في النار ، وقيل له : ألق
__________________