«اهجوا قريشا فإنه أشدّ عليهم من رشق النبل فأرسل إلى ابن رواحة فقال اهجهم فلم يرض فأرسل إلى كعب بن مالك ثم أرسل إلى حسان بن ثابت فقال حسان قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد ثم أدلع لسانه فجعل يحرّكه فقال والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم لا تعجل فإنّ أبا بكر أعلم قريش بأنسابها وإنّ لي فيهم نسبا حتى يخلص لك نسبي ، فأتاه حسان ثم رجع فقال يا رسول الله لقد أخلص لي نسبك والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما يسلّ الشعر من العجين ، قالت عائشة فسمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول لحسان : إنّ روح القدس لا يزال يؤيدّك ما نافحت عن الله ورسوله قالت وسمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «هجاهم حسان فشفى وأشفى» (١) قال حسان (٢) :
هجوت محمدا فأجبت عنه |
|
وعند الله في ذاك الجزاء |
هجوت محمدا برّا حنيفا |
|
رسول الله شيمته الوفاء |
فإنّ أبي ووالدتي وعرضي |
|
لعرض محمد منكم وفاء |
فمن يهجو رسول الله منكم |
|
ويمدحه وينصره سواء |
وجبريل رسول الله فينا |
|
وروح القدس ليس له كفاء |
وورد في مدح الشعر عن أبيّ بن كعب أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ من الشعر حكمة» (٣) وعن ابن عباس قال : جاء أعرابيّ إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم يوما فقال : هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟ قال : نعم قال هيه ، فأنشده بيتا فقال هيه حتى أنشده مائة بيت» (٤) وعن جابر بن سمرة قال : «جالست رسول الله صلىاللهعليهوسلم أكثر من مئة مرة فكان أصحابه يتناشدون الشعر ويتذاكرون شيئا من أمر الجاهلية فربما تبسم معهم» (٥) وعن عائشة : الشعر كلام فمنه حسن ومنه قبيح فخذ الحسن ودع القبيح ، وعن : الشعبيّ كان أبو بكر يقول الشعر وكان عمر يقول الشعر وكان عليّ أشعر الثلاثة ، وعن ابن عباس : أنه كان ينشد الشعر في المسجد ويستنشده فروي أنه دعا عمر بن أبي ربيعة المخزوميّ واستنشده القصيدة التي أوّلها (٦) :
أمن آل نعم أنت غاد فبكر |
|
غداة غد أم رائح فمهجر |
فأنشد ابن ربيعة القصيدة إلى آخرها وهي قريبة من سبعين بيتا ، ثم إنّ ابن عباس أعاد القصيدة جميعا وكان حفظها بمرّة واحدة.
ثم بين سبحانه وتعالى ما حمل المؤمنين على الشعر وهو انتصارهم من المشركين بقوله تعالى : (وَانْتَصَرُوا) أي : بهجوهم الكفار (مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) بهجو الكفار لهم لأنهم بدؤا
__________________
(١) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة حديث ٢٤٩٠ ، والبخاري في الأدب حديث ٦١٥٠.
(٢) الأبيات من الوافر ، وهي في ديوان حسان بن ثابت ص ٧٦.
(٣) أخرجه البخاري في الأدب حديث ٦١٤٥ ، وأبو داود في الأدب حديث ٥٠١٠ ، والترمذي في الأدب حديث ٢٨٤٤ ، وابن ماجه في الأدب حديث ٣٧٥٥.
(٤) أخرجه مسلم في الشعر حديث ٣٢٥٥ ، وابن ماجه في الأدب حديث ٣٧٥٨.
(٥) أخرجه الترمذي في الأدب حديث ٢٨٥٠.
(٦) البيت من الطويل ، وهو في ديوان عمر بن أبي ربيعة ص ٩٢.