انفطارهن من هذه الجهة فمن : لابتداء الغاية متعلقة بما قبلها ، الثاني : أنه يعود على الأرضين لتقدم ذكر الأرض ، الثالث : أنه يعود على فرق الكفار والجماعات الملحدين قاله الأخفش الصغير ، وقال الزمخشري : كلمة الكفر أي : على التفسير الثاني إنما جاءت من الذين تحت السموات فكان القياس أن يقال : ينفطرن من تحتهن أي : من الجهة التي جاءت منها الكلمة ولكنه بولغ في ذلك فجعلت مؤثرة في جهة الفوق ، كأنه قيل : يكدن ينفطرن أي : من الجهة التي فوقهن دون الجهة التي تحتهن ، ونظيره في المبالغة قوله عزوجل (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ) [الحج : ١٩ ـ ٢٠] فجعل الحميم مؤثرا في أجزائهم الباطنة ا. ه.
ولما بين تعالى أن سبب كيدودة انفطارهن جلال العظمة التي منها كثرة الملائكة وشناعة الكفر ، بين لها سببا آخر وهو عظم قول الملائكة فقال تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ) أي : يوقعون التنزيه لله تعالى متلبسين (بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) أي : بإثبات الكمال للمحسن إليهم تسبيحا يليق بحالهم فلهم بذلك زجل وأصوات لا تحملها العقول ولا تثبت لها الجبال.
تنبيه : عدل عن التأنيث ولم يقل يسبحن مراعاة للفظ التذكير وضمير الجمع ، إشارة إلى قوة التسبيح وكثرة المسبحين ، فإن قيل : قوله تعالى : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) عام فيدخل فيه الكفار ولقد لعنهم الله تعالى فقال سبحانه : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [البقرة : ١٦١] فكيف يكونون لاعنين لهم ومستغفرين لهم؟ أجيب : بوجوه ؛ الأول : أنه عام مخصوص بآية غافر (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) [غافر : ٧] ، الثاني : أن قوله تعالى : (لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) لا يفيد العموم لأنه يصح أن يقال استغفروا لبعض من في الأرض دون البعض ولو كان صريحا في العموم لما صح ذلك ، الثالث : يجوز أن يكون المراد بالاستغفار أن لا يعاجلهم بالعقاب كما في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) إلى أن قال تعالى (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) [فاطر : ٤١] الرابع : يجوز أن يقال إنهم يستغفرون لكل من في الأرض أما في حق الكفار فبطلب الإيمان لهم ، وأما في حق المؤمنين فبالتجاوز عن سيئاتهم ، فإنا نقول اللهم اهد الكفار وزين قلوبهم بنور الإيمان وأزل عن خواطرهم وحشة الكفر ، وهذا استغفار في الحقيقة وقوله تعالى : (أَلا إِنَّ اللهَ) أي : الذي له الإحاطة بصفات الكمال (هُوَ) أي : وحده (الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) تنبيه على أن الملائكة وإن كانوا يستغفرون للبشر إلا أن المغفرة المطلقة لله تعالى ، وهذا يدل على أنه تعالى يعطي المغفرة التي طلبوها ويضم إليها الرحمة.
(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ) أي : غير الله تعالى (أَوْلِياءَ) أي : أندادا وشركاء يعبدونهم كالأصنام (اللهُ) أي : المحيط بصفات الكمال (حَفِيظٌ) أي : رقيب ومراع وشهيد (عَلَيْهِمْ) أي : على أعمالهم ولا يغيب عنه شيء من أعمالهم فهو إن شاء أبقاهم على كفرهم وجازاهم عليه بما أعد للكافرين ، وإن شاء تاب عليهم ومحا ذلك عينا وأثرا ولم يعاقبهم ، وإن شاء محاه عينا وأبقى الأثر حتى يعاقبهم (وَما أَنْتَ) يا أشرف الرسل (عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) أي : حتى يلزمك أن تراعي جميع أحوالهم من أقوالهم وأفعالهم فتحفظها وتقسرهم على تركها ونحو ذلك مما يتولاه الوكيل بما يقوم فيه مقام الموكل سواء قالوا لا تسمعوا لهذا القرآن أم قالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وغير ذلك إذ ما عليك إلا البلاغ.
(وَكَذلِكَ) أي : ومثل ذلك الإيحاء (أَوْحَيْنا) أي : بما لنا من العظمة (إِلَيْكَ قُرْآناً) أي :