أي : مضروبه ومعنى كونها منزلة أن الله تعالى كتبها في اللوح المحفوظ وأمر جبريل عليهالسلام أن يحفظ الكلمات ثم ينزل بها على محمد صلىاللهعليهوسلم ويؤديها إليه ، فلما حصل تفهم هذه الكلمات بواسطة جبريل عليهالسلام سمي لذلك تنزيلا.
وثانيها : كون ذلك التنزيل من الرحمن الرحيم ، وذلك يدل على أن ذلك التنزيل نعمة عظيمة من الله تعالى لأن الفعل المقرون بالصفة لا بد وأن يكون مناسبا لتلك الصفة ، فكونه تعالى رحمانا رحيما صفتان دالتان على كمال الرحمة والتنزيل المضاف إلى هاتين الصفتين لا بد وأن يكون دالا على أعظم وجوه الرحمة والنعمة ، والأمر كذلك لأن الخلق في هذا العالم كالمرضى والمحتاجين والقرآن مشتمل على كل ما يحتاج إليه المرضى من الأدوية وعلى ما يحتاج إليه الأصحاء من الأغذية ، فكان أعظم النعم من الله تعالى على أهل هذا العالم إنزال القرآن عليه.
وثالثها : كونه كتابا وهذا الاسم مشتق من الكتب وهو الجمع ، فسمي كتابا لأنه جمع فيه علوم الأولين والآخرين.
ورابعها : قوله تعالى (فُصِّلَتْ آياتُهُ) أي : ميزت وجعلت تفاصيل في معان مختلفة فبعضها وصف ذات الله تعالى وصفات التنزيه والتقديس وشرح كمال قدرته وعلمه وحكمته ورحمته وعجائب أحوال خلقه من السموات والكواكب وتعاقب الليل والنهار وعجائب أحوال النبات والحيوان والإنسان ، وبعضها في المواعظ والنصائح ، وبعضها في تهذيب الأخلاق ورياضة النفس ، وبعضها في قصص الأنبياء عليهمالسلام وتواريخ الماضين وبالجملة فمن أنصف علم أنه ليس في بدء الخلق كتاب اجتمع فيه من العلوم المختلفة مثل ما في القرآن.
وخامسها : قوله تعالى : (قُرْآناً) وقد مر توجيه هذا الاسم.
وسادسها : قوله تعالى : (عَرَبِيًّا) أي : إنما نزل بلغة العرب ويؤيده قوله تعالى (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) [إبراهيم : ٤].
وسابعها : قوله تعالى : (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي : جعلناه قرآنا لأجل أنا أنزلناه على قوم عرب بلغتهم ليفهموا منه المراد.
وثامنها وتاسعها : قوله تعالى : (بَشِيراً) أي : لمن اتبع (وَنَذِيراً) أي : لمن امتنع وانقطع.
وعاشرها : قوله تعالى (فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ) أي : عن تدبره وقبولهم (فَهُمْ) لذلك (لا يَسْمَعُونَ) أي : يفعلون فعل من لم يسمع لأنهم لا يسمعون سماع تأمل وطاعة فهذه صفات عشر وصف الله تعالى القرآن بها.
واحتج القائلون بخلق القرآن بهذه الآية من وجوه أولها : أنه تعالى وصف القرآن بكونه منزلا وتنزيلا والمنزل والتنزيل مشعر بالتغيير من حال إلى حال فوجب أن يكون مخلوقا ، ثانيها : أن التنزيل مصدر هو المفعول المطلق باتفاق النحويين ، ثالثها : أن المراد بالكتاب إما الكتاب وهو المصدر الذي هو المفعول المطلق وإما المكتوب الذي هو المفعول ، رابعها : أن قوله تعالى : (فُصِّلَتْ آياتُهُ) يدل على أن متصرفا تصرف فيه بالتفصيل وذلك لا يليق بالقديم ، خامسها : إنما سمي قرآنا لأنه قرن بعض أجزائه ببعض وذلك يدل على كونه مفعول فاعل ومجعول جاعل ، سادسها : وصفه بكونه عربيا وإنما صحت هذه النسبة لأن هذه الألفاظ إنما دلت على هذه المعاني بحسب وضع العرب واصطلاحاتهم وما حصل بجعل جاعل وفعل فاعل فلا بد وأن يكون محدثا