أجيب : بأن في هذا التكرار تخصيصا لكفران النعمة بهم وأنهم هم الذين يكفرون فضل الله تعالى ولا يشكرونه كقوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم : ٣٤].
ولما بين تعالى بتلك الدلائل المذكورة وجود الإله القادر قال تعالى : (ذلِكُمُ) أي : أيها المخاطبون (اللهُ) أي : الملك الأعظم المعلوم لكل أحد المتميز عن كل شيء بالأفعال التي لا يشاركه فيها أحد (رَبُّكُمْ) أي : المربي لكم المحسن إليكم (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) أي : بما ثبت من تمام قدرته لأنه (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي : هو الجامع لهذه الأوصاف من الإلهية والربوبية فهي أخبار مترادفة وإذا كان خالق كل شيء (فَأَنَّى) أي : فكيف ومن أي وجه (تُؤْفَكُونَ) أي : تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره.
(كَذلِكَ) أي : مثل هذا الصرف البعيد عن مناهج العقلاء (يُؤْفَكُ) أي : يصرف (الَّذِينَ كانُوا) أي : مطبوعين على أنهم (بِآياتِ اللهِ) أي : ذي الجلال والكمال (يَجْحَدُونَ) أي : ينكرون عنادا ومكابرة.
ولما كان دلائل وجوده تعالى إما أن تكون من دلائل الآفاق وهي غير الإنسان وهي أقسام وذكر منها أحوال الليل والنهار كما تقدم ، ذكر أيضا منها ههنا الأرض والسماء فقال تعالى : (اللهُ) أي : الذي له الإحاطة الكاملة بكل شيء (الَّذِي جَعَلَ) أي : وحده (لَكُمُ الْأَرْضَ) أي : مع كونها فراشا ممهدا (قَراراً) مع كونها في غاية الثقل ولا ممسك لها سوى قدرته (وَالسَّماءَ) أي : على علوها وسعتها مع كونها أفلاكا دائرة بنجوم طول الزمان سائرة ينشأ عنها الليل والنهار والأظلام (بِناءً) مظلة كالقبة من غير عماد وحامل. ثم ذكر دلائل النفس وهي دلالة أحوال بدن الإنسان على وجود الصانع القادر الحكيم بقوله تعالى : (وَصَوَّرَكُمْ) والتصوير على غير نظام واحد لا يكون إلا بقدرة قادر تام القدرة مختار (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) على أشكال وأحوال مع أنها أحسن الصور ليس في الوجود ما يشبهها لم يخلق الله تعالى حيوانا أحسن صورة من الإنسان كما قال تعالى : (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين : ٤] قال ابن عباس رضي الله عنهما : خلق الإنسان قائما معتدلا يأكل ويتناول بيده وغير ابن آدم يتناول بفيه.
ولما ذكر تعالى المساكن والساكن ذكر ما يحتاج إليه في مدة السكن فقال سبحانه (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أي : الشهية الملائمة للطباع وقيل : هو ما خلق الله تعالى لعباده من المأكل والمشرب من غير رزق الدواب ، وعن الحسن أنه قال لما خلق الله تعالى آدم عليهالسلام وذريته قالت الملائكة عليهمالسلام : إن الأرض لا تسعهم قال الله تعالى : فإني جاعل موتا ، قالوا : إذا لا يهنأ لهم العيش قال تعالى : فإني جاعل أملا.
ولما دل هذا على التفرد قال تعالى على وجه الإنتاج (ذلِكُمُ) أي : الرفيع الدرجات (اللهُ) أي : المالك لجميع الملك (رَبُّكُمْ) أي : المحسن إليكم لا غيره (فَتَبارَكَ) أي : ثبت ثباتا عظيما مع اليمن والخير وحسن المدد والفيض (اللهُ) المختص بالكمال (رَبُّ الْعالَمِينَ) كلهم فهو المحسن إليهم بالتربية وغيرها.
ثم نبه تعالى بقوله سبحانه : (هُوَ الْحَيُ) بما يفيد الحصر بأنه لا حي على الدوام إلا هو ثم نبه تعالى على وحدانيته بقوله سبحانه : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ثم أمر العباد بالإخلاص في الدعاء فقال تعالى : (فَادْعُوهُ) أي : اعبدوه (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي : من كل شرك جلي أو خفي.