برص ، لها شعاع كشعاع الشمس يعشي البصر ويسدّ الأفق.
فعند هذا أراد فرعون تعمية هذه الحجة على قومه فذكر أمورا أوّلها أن.
(قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ) لما وضح له الأمر يمّوه على عقولهم : خوفا من إيمانهم (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) أي : شديد المعرفة بالسحر ، حوله : حال من الملأ ومفعول القول ، قوله : (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) ولما أوقعهم بما جبلهم به أحماهم لأنفسهم فقال ملغيا لجلباب الإلهية لما قهره من سلطان المعجزة. (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) أي : هذه التي هي قوامكم (بِسِحْرِهِ) أي : بسبب ما أتى به ، فإنه يوجب استتباع الناس فيتمكن مما يريد ، ثم قال لقومه الذين كان يزعم أنهم عبيده وأنه إلههم ، ما دل على أنه حارت قواه فحط عن منكبيه كبرياء الربوبية وارتعدت فرائصه لما استولى عليه من الدهش والحيرة حتى جعل نفسه مأمورا بعد أن كان يدعي كونه آمرا بل إلها قادرا (فَما ذا تَأْمُرُونَ) أي : في مدافعته عما يريد بنا.
(قالُوا) أي : الملأ الذين كانوا حوله (أَرْجِهْ وَأَخاهُ) أي : أخر أمرهما ومناظرتهما إلى اجتماع السحرة ، ولم يأمر بقتلهما ولا بما يقاربه ، فسبحان من يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده فيها به كل شيء ولا يهاب هو غير خالقه. وقرأ قالون بغير همز واختلاس كسرة الهاء ، وورش والكسائي بغير همز وإشباع حركة كسرة الهاء ، وابن كثير وهشام بالهمزة الساكنة وصلة الهاء مضمومة ، وأبو عمرو بالهمزة وضم الهاء مقصورة ، وابن ذكوان بالهمزة وكسر الهاء مقصورة ، وعاصم وحمزة بغير همز وإسكان الهاء (وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) أي : رجالا يحشرون السحرة ، وأصل الحشر : الجمع بكره ، وقيل : إنّ فرعون أراد قتل موسى فقالوا له لا تفعل فإنك إن تقتله دخلت الناس شبهة في أمره ، ولكن أخره واجمع له سحرة ليقاوموه ولا يثبت له عليك حجة ، وعارضوا قوله (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) بقولهم : (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ) أي : بليغ في السحر ، فجاؤوا بكلمة الإحاطة وصيغة المبالغة ليطمأنوا من نفسه ويسكنوا من بعض قلقه (عَلِيمٍ) أي : متناه في العلم به بعدما تناهى في السحرية ، وعبر بالبناء للمفعول في قوله. (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ) إشارة إلى عظمة ملكه ، أي : بأيسر أمر لما له عندهم من العظمة (لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) أي : في زمانه ومكانه وهو ضحى يوم الزينة كما مرّ في طه ، وعن ابن عباس : وافق يوم السبت من أول يوم من سنتهم وهو يوم النيروز.
(وَقِيلَ) أي : يقول من يقبل لكونه عن فرعون (لِلنَّاسِ) أي : عامّة وقوله (هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ) فيه استبطاء لهم في الاجتماع ، والمراد منه استعجالهم واستحثاثهم كما يقول الرجل لغلامه هل أنت منطلق إذا أراد أن يحرك منه ويحثه على الانطلاق ، كأنما يخيل له أنّ الناس قد انطلقوا وهو واقف ، ومنه قول تأبط شرا ، اسم شاعر (١) :
هل أنت باعث دينار لحاجتنا |
|
أو عبد رب أخا عون بن مخراق |
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو لجابر بن رألان أو لجرير أو لتأبط شرا أو هو مصنوع في خزانة الأدب ٨ / ٢١٥ ، ولجرير بن الخطفي ، أو لمجهول أو هو مصنوع في المقاصد النحوية ٣ / ٥١٣ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٢٥٦ ، والدرر ٦ / ١٩٢ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٣٩٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٢٨ ، والكتاب ١ / ١٧١.