وأنتم قادرون عليها ولستم قادرين على معارضته. (وَالْقُرْآنِ) أي : الجامع مع البيان لكل خير (ذِي الذِّكْرِ) أي : الموعظة والتذكير وقال ابن عباس : ذي البيان ، وقال الضحاك : ذي الشرف ودليله قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) [الزخرف : ٤٤] ، فإن قيل : هذا قسم فأين المقسم عليه؟ أجيب : بأنه محذوف تقديره : ما الأمر كما قال كفار مكة من تعدد الآلهة.
وقوله تعالى : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : من أهل مكة إضراب انتقال من قصة إلى أخرى (فِي عِزَّةٍ) أي : حمية وتكبر عن الإيمان (وَشِقاقٍ) أي : خلاف وعداوة للنبي صلىاللهعليهوسلم والتنكير في عزة وشقاق للدلالة على شدتهما ، وقيل : جواب القسم قد تقدم وهو قوله تعالى : (ص) أقسم الله تعالى بالقرآن أن محمد الصادق وقال الفراء : (ص) معناها وجب وحق فهو جواب قوله : (وَالْقُرْآنِ) كما تقول : نزل والله ، وقال الأخفش : قوله تعالى : (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ) وقال السدي : إن ذلك لحق تخاصم أهل النار ، قال البغوي : وهذا ضعيف لأنه تخلل بين القسم وبين هذا الجواب أقاصيص وأخبار كثيرة وقال مجاهد : في عزة متعازين.
(كَمْ) أي : كثيرا (أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ) وأكد كثرتهم بقوله تعالى : (مِنْ قَرْنٍ) أي : من أمة من الأمم الماضية كانوا في شقاق مثل شقاقهم.
تنبيه : كم مفعول أهلكنا ، ومن قرن تمييز ، ومن قبلهم لابتداء الغاية (فَنادَوْا) أي : استغاثوا عند نزول العذاب وحلول النقمة وقيل : نادوا بالإيمان والتوبة (وَلاتَ) أي : وليس الحين (حِينَ مَناصٍ) أي : منجى وفرار ، قال ابن عباس : كان كفار مكة إذا قاتلوا فاضطروا في الحرب ، قال بعضهم لبعض : مناص أي : اهربوا وخذوا حذركم ، فلما نزل بهم العذاب ببدر قالوا : مناص ، فأنزل الله تعالى ذلك ، والمناص مصدر ناص ينوص إذا تقدم ، ولات بمعنى : ليس بلغة أهل اليمن ، وقال النحويون : هي لا زيدت فيها التاء كقولهم : رب وربت ، وثم وثمت ، وأصلها هاء وصلت بلا فقالوا : لات كما قالوا : ثمت ولا تعمل إلا في الأزمان خاصة نحو لات حين ولات أوان كقول الشاعر (١) :
طلبوا صلحنا ولات أوان |
|
فأجبنا أن ليس حين بقاء |
والأكثر حينئذ حذف مرفوعها فتقديره ولات الحين حين مناص ، وقد يحذف المنصوب ويبقى المرفوع كقول القائل (٢) :
من صد عن نيرانها |
|
فأنا ابن قيس لا براح |
أي : لا براح لي ، ولما حكى تعالى عن الكفار كونهم في عزة وشقاق أتبعه بشرح كلماتهم الفاسدة بقوله تعالى : (وَعَجِبُوا) أي : الكفار الذين ذكرهم الله تعالى في قوله سبحانه : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ أَنْ) أي : لأجل أن (جاءَهُمْ مُنْذِرٌ) هو النبي صلىاللهعليهوسلم وفي قوله تعالى : (مِنْهُمْ) وجهان أحدهما : أنهم قالوا أن محمدا مساو لنا في الخلقة الظاهرة والأخلاق الباطنية
__________________
(١) البيت من الخفيف ، وهو لأبي زبيد الطائي في ديوانه ص ٣٠ ، والإنصاف ص ١٠٩ ، وتخليص الشواهد ص ٢٩٥ ، وتذكرة النحاة ص ٧٣٤ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٨٣ ، والدرر ٢ / ١١٩ ، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٢٤٩ ، والخصائص ٢ / ٣٧٠ ، ولسان العرب (أون) ، (لا) ، (لات).
(٢) البيت من مجزوء الكامل ، وهو لسعد بن ناشب ، أو لسعد بن مالك في تاج العروس (لا).