أيقتلني والمشرفي مضاجعي |
|
ومسنونة زرق كأنياب أغوال |
ولم ير أنيابها بل ليست موجودة البتة.
قال الرازي : وهذا هو الصحيح وذلك أن الناس لما اعتقدوا في الملائكة عليهمالسلام كمال الفضل في الصورة والسيرة فكما حسن تشبيه يوسف عليهالسلام بالملك عند إرادة الكمال والفضيلة في قول النسوة (إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) [يوسف : ٣١] فكذلك حسن التشبيه برؤوس الشياطين في القبح وتشويه الخلقة.
ويؤكد هذا أن العقلاء إذا رأوا شيئا شديد الاضطراب منكر الصورة قبيح الخلقة قالوا : إنه شيطان وإذا رأوا شيئا حسنا قالوا : إنه ملك من الملائكة ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : هم الشياطين بأعيانهم.
(فَإِنَّهُمْ) أي : الكفار (لَآكِلُونَ مِنْها) أي : من الشجرة أو من طلعها (فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) والملء حشو الوعاء بما لا يحتمل الزيادة عليه ، فإن قيل : كيف يأكلونها مع نهاية خشونتها ونتنها ومرارة طعمها؟ أجيب : بأن المضطر ربما استروح من الضرر بما يقاربه في الضرر فإذا جوعهم الله تعالى الجوع الشديد فزعوا إلى إزالة ذلك الجوع بتناول هذا الشيء ، أو يقال : إن الزبانية يكرهونهم على الأكل من تلك الشجرة لعذابهم.
ولما ذكر الله تعالى طعامهم بتلك الشناعة والكراهية وصف شرابهم بما هو أشنع منه بقوله تعالى :(ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها) أي : بعد ما شبعوا منها وغلبهم العطش (لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ) أي : ماء حار يشربونه فيختلط بالمأكول منها فيصير شوبا ، وعطف بثم لأحد معنيين : إما لأنه يؤخر ما يظنونه يرويهم من عطشهم زيادة في عذابهم فلذلك أتى بثم المقتضية للتراخي ، وإما لأن العادة تقتضي تراخي الشرب عن الأكل فعمل على ذلك المنوال ، وأما ملء البطن فيعقب الأكل فلذلك عطف على ما قبله بالفاء قال الزجاج : الشراب اسم عام في كل ما خلط بغيره والشوب الخلط والمزج ومنه شاب اللبن يشوبه أي : خلطه ومزجه.
(ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ) أي : مصيرهم (لَإِلَى الْجَحِيمِ) قال مقاتل : أي : بعد أكل الزقوم وشرب الحميم وهذا يدل على أنهم عند شرب الحميم لم يكونوا في الجحيم وذلك بأن يكون الحميم في موضع خارج عن الجحيم فهم يردون الحميم لأجل الشرب كما ترد الإبل الماء ويدل عليه قوله تعالى (يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) [الرحمن : ٤٤].
وقوله تعالى : (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا) أي : وجدوا (آباءَهُمْ ضالِّينَ فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ) تعليل لاستحقاقهم تلك الشدائد قال الفراء : الإهراع الإسراع يقال : هرع وأهرع إذا استحث والمعنى : أنهم يتبعون آباءهم في سرعة كأنهم يزعجون إلى اتباع آبائهم ، وفيه إشعار بأنهم بادروا إلى ذلك من غير توقف على نظر وبحث.
ثم إنه تعالى ذكر لرسوله صلىاللهعليهوسلم ما يسليه في كفرهم وتكذيبهم يقوله سبحانه : (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ) أي : قبل قومك (أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ) أي : من الأمم الماضية.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ) أي : أنبياء أنذروهم من العواقب فبين تعالى أن إرساله الرسل قد تقدم والتكذيب لهم قد سلف فوجب أن يكون له صلىاللهعليهوسلم أسوة بهم حتى يصبر كما صبروا ويستمر