ومثل الأوثان الذين رضوا بعبادتهم لهم ولم ينكروا عليهم ذلك ويأمروهم بعبادة الله تعالى الذي تفرد بنعوت العظمة وصفات الكمال ، وقال مقاتل : يعني إبليس وجنوده واحتج بقوله تعالى : (أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ) [يس : ٦٠] (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) قال ابن عباس : دلوهم إلى طريق النار ، وقال ابن كيسان : قدموهم ، قال البغوي : والعرب تسمي السائق هاديا ، قال الواحدي : هذا وهم ؛ لأنه يقال : هدى إذا تقدم ومنه الهادية والهوادي وهاديات الوحوش ولا يقال : هدى بمعنى قدم.
(وَقِفُوهُمْ) أي : احبسوهم قال البغوي : قال المفسرون : لما سيقوا إلى النار حبسوا عند الصراط فقيل لهم : قفوهم (إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) قال ابن عباس : عن جميع أقوالهم وأفعالهم ، وروي عنه عن لا إله إلا الله ، وقيل : تسألهم خزنة جهنم عليهمالسلام (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) [الملك : ٨] أي : رسل منكم جاؤكم بالبينات (قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ) [الزمر : ٧١] ، وروي عن أبي برزة الأسلمي قال : «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيم أفناه وعلمه ماذا عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه». وفي رواية و«عن شبابه فيم أبلاه» (١) ، وعن أنس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ما من داع دعا إلى شيء إلا كان موقوفا يوم القيامة لازما به وإن دعا رجل رجلا ثم قرأ (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ)(٢).
ويقال لهم توبيخا :
(ما لَكُمْ) أي : أي شيء حاصل لكم شغلكم وألهاكم حال كونكم (لا تَناصَرُونَ) قال ابن عباس : لا ينصر بعضكم بعضا كما كنتم في الدنيا ، وذلك أن أبا جهل قال يوم بدر : نحن جميع منتصر ، فقيل لهم يوم القيامة ما لكم لا تناصرون ، وقيل : يقال للكفار ما لشركائكم لا يمنعونكم من العذاب ويقال عنهم : (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) قال ابن عباس : خاضعون وقال الحسن : منقادون يقال : استسلم للشيء إذا انقاد له وخضع ، والمعنى : هم اليوم أذلاء منقادون لا حيلة لهم في دفع تلك المضار.
ولما أخبر سبحانه وتعالى عنهم بأنهم سئلوا فلم يجيبوا ربما كان يظن أنهم أخرسوا فنبه على أنهم يتكلمون بما يزيد تكذيبهم فقال عاطفا على قوله تعالى : (وَقالُوا يا وَيْلَنا) [الصافات : ٢٠]. (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ) أي : الذين ظلموا (عَلى بَعْضٍ) أي : بعد إيقافهم لتوبيخهم وعبر عن خصامهم تهكما بقوله تعالى : (يَتَساءَلُونَ) أي : يتلاومون ويتخاصمون.
(قالُوا) أي : الأتباع منهم للمتبوعين (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) قال الضحاك : أي : من قبل الدين فتضلوننا عنه ، وقال مجاهد : عن الصراط الحق واليمين عبارة الدين الحق كما أخبر الله تعالى عن إبليس لعنه الله تعالى (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) [الأعراف : ١٧] فمن أتاه الشيطان من قبل اليمين أتاه من قبل الدين فلبس عليه الحق واليمين ههنا استعارة عن الخيرات والسعادات ، لأن الجانب الأيمن أفضل من الجانب الأيسر ، قال ابن عادل : لا تباشر الأعمال الشريفة إلا باليمين ويتفاءلون بالجانب الأيسر و«كان صلىاللهعليهوسلم يحب التيامن في شأنه
__________________
(١) أخرجه الترمذي حديث ٢٤١٦ ، ٢٤١٧.
(٢) أخرجه الترمذي في تفسير القرآن حديث ٣٢٢٨.