تنبيه : في العرم أقوال غير ما ذكر أحدها : أنه من باب إضافة الموصوف لصفته في الأصل إذ الأصل السيل العرم ، والعرم : الشديد ، وأصله من العرامة وهي الشراسة والصعوبة. الثاني : أنه من باب حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه تقديره : فأرسلنا عليهم سيل المطر العرم أي : الشديد الكثير. الثالث : أن العرم اسم للوادي الذي كان فيه الماء نفسه قال ابن الأعرابي : العرم السيل الذي لا يطاق وقيل : كان ماء أحمر أرسله الله تعالى عليهم من حيث شاء. الرابع : أنه اسم للجرذ وهو الفأر ، وقيل : هو الخلد وإنما أضيف إليه لأنه تسبب عنه كما مر (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ) أي : جعلنا لهم بدلهما (جَنَّتَيْنِ) هما في غاية ما يكون من مضادة جنتيهم ولذلك فسرهما بقوله تعالى إعلاما بأن إطلاق الجنتين عليهما مشاكلة لفظية للتهكم بهم (ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ) أي : ثمر بشع ، والخمط الأراك وثمره يقال له : البرير هذا قول أكثر المفسرين وقال المبرد والزجاج : كل نبت قد أخذ طعما من المرارة حتى لا يمكن أكله فهو خمط وقال ابن الأعرابي : الخمط ثمر شجر يقال له : فسوة الضبع على صورة الخشخاش لا ينتفع به ، وعن أبي عبيدة كل شجر ذي شوك ، وقرأ أبو عمرو أكل بغير تنوين ، والباقون بالتنوين وسكن الكاف نافع وابن كثير وضمها الباقون قال البغوي : فمن جعل الخمط اسما للمأكول فالتنوين في أكل أحسن ، ومن جعله أصلا وجعل الأكل ثمرة فالإضافة فيه ظاهرة والتنوين سائغ تقول العرب في بستان فلان : أعناب كرم وأعناب كرم فتصف الأعناب بالكرم لأنها منه.
وقوله تعالى (وَأَثْلٍ) أي : وذواتي أثل (وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) معطوفان على أكل لا على خمط فإن الأثل هو الطرفاء ولا ثمر له وقيل : هو شجر يشبه الطرفاء أعظم منه وأجود عودا وقيل : هو نوع من الطرفاء ولا يكون عليه ثمر إلا في بعض الأوقات يكون عليه شيء كالعفص أخضر في طعمه وطبعه ، والسدر : شجر معروف وهو شجر النبق وينتفع بورقه لغسل اليد ويغرس في البساتين ولم يكن هذا من ذاك بل كان سدرا بريا لا ينتفع به ولا يصلح ورقه لشيء ، ولهذا قال بعضهم : السدر سدران : سدر له ثمرة غضة لا تؤكل ولا ينتفع بورقه في الاغسال وهو الضال ، وسدر له ثمرة تؤكل وهي النبق ويغسل بورقه والمراد في الآية الأول ، وقال قتادة : كان شجرهم خير الشجر فغيره الله تعالى من شر الشجر بأعمالهم.
تنبيه : قد نبهت في شرح المنهاج على أن الباء في الإبدال والتبديل والتبدل والاستبدال هل تدخل على المتروك أو على المأخوذ؟ عند قول المنهاج ولو أبدل ضادا بظاء.
(ذلِكَ) أي : الجزء العظيم بالتبديل (جَزَيْناهُمْ) بما لنا من العظمة (بِما كَفَرُوا) أي : غطوا الدليل الواضح وهو ما جاء به الرسل ، إذ روي أنه بعث إليهم ثلاثة عشر نبيا فكذبوهم وقيل بكفرانهم النعمة (وَهَلْ نُجازِي) أي : مثل هذا الجزاء الذي هو على وجه العقاب (إِلَّا الْكَفُورَ) أي : إلا البليغ في الكفر ، وقال مجاهد : يجازى أي : يعاقب ويقال في العقوبة : يجازي ، وفي المثوبة : يجزي قال الفراء : المؤمن يجزى ولا يجازى أي : يجزي الثواب بعمله ولا يكافأ بسيئاته وقال بعضهم : المجازاة تقال في النقمة والجزاء في النعمة لكن قوله تعالى (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ) يدل على أن يجزي في النقمة أيضا قال ابن عادل : ولعل من قال ذلك أخذه من أن المجازاة مفاعلة وهي في أكثر الأمر تكون ما بين اثنين يوجد من كل واحد جزاء في حق الآخر ، وفي النعمة لا تكون مجازاة لأن الله تعالى مبتدئ بالنعم ، وقيل : المؤمن تكفر سيئاته بحسناته ، والكافر يحبط