اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا» (١) وأما الضعاف القلوب والمنافقون فقالوا : ما حكى الله عنهم فيما سيأتي ، وقرأ نافع وابن عامر الظنونا هنا والرسولا والسبيلا في آخر السورة بإثبات الألف في الثلاثة وقفا ووصلا ، وأبو عمرو وحمزة بحذف الألف وقفا ووصلا قال الزمخشري : وهو القياس والباقون بالألف في الوقف دون الوصل زادوها في الفاصلة كما زادوها في القافية قال (٢) :
أقلي اللوم عاذل والعتابا
ورسم الثلاثة بالألف. ولما كانت الشدة في الحقيقة إنما هي للثابت لأنه ما عنده إلا الهلاك أو النصرة قال تعالى : (هُنالِكَ) أي : في ذلك الوقت العظيم البعيد الرتبة (ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ) اختبروا فظهر المخلص من المنافق والثابت من المتزلزل (وَزُلْزِلُوا) أي : حركوا وأزعجوا بما يرون من الأهوال بتظافر الأعداء مع الكثرة وتطاير الأراجيف (زِلْزالاً شَدِيداً) فثبتوا تثبيت الله تعالى لهم على عدوهم ، وعن صفية قالت : مر بنا رجل من اليهود فجعل يطوف بالحصن وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم وليس بيننا وبينهم من يدفع عنا ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه في نحور عدوهم لا يستطيعون أن ينصرفوا إلينا عنهم إذا أتانا آت قالت : فقلت يا حسان إن هذا اليهودي يطوف بنا كما ترى بالحصن وإني والله ما آمنه أن يدل على عوراتنا من ورائنا من يهود ، وقد شغل عنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه فانزل إليه فاقتله فقال : يغفر الله لك يا ابنة عبد المطلب والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا.
قالت : فلما قال ذلك ولم أر عنده شيئا احتجزت ثم أخذت عمودا ثم نزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته ، فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن فقلت يا حسان انزل إليه فاسلبه فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل قال : ما لي بسلبه من حاجة يا ابنة عبد المطلب» وأقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه فيما وصف الله من الخوف والشدة لتظاهر عدوهم وإتيانهم من فوقهم ومن أسفل منهم.
ثم إن نعيم بن مسعود بن عامر بن غطفان أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إن استطعت فإنما الحرب خدعة ، فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى قريظة وكان لهم نديما في الجاهلية فقال لهم : يا بني قريظة قد عرفتم ودّي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم قالوا : صدقت لست عندنا بمتهم فقال لهم : إن قريشا وغطفان جاؤوا لحرب محمد وقد ظاهر تموهم عليه ، وإن قريشا وغطفان ليسوا كهيئتكم البلد بلدكم وبه أموالكم وأولادكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره ، وإن قريشا وغطفان أموالهم وأبناؤهم ونساؤهم بغيره إن رأو نهزة وغنيمة أصابوها ، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ، والرجل ببلدكم لا طاقة لكم
__________________
(١) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٥ / ١٨٥ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٣٧١٤ ، و ٣٨٦٣ ، وابن كثير في تفسيره ٦ / ٣٨٩.
(٢) عجزه :
وقولي إن أصبت لقد أصابا
والبيت من الوافر ، وهو لجرير في ديوانه ص ٨١٣ ، وخزانة الأدب ١ / ٦٩ ، والدرر ٥ / ١٧٦ ، والكتاب ٤ / ٢٠٥ ، ٢٠٨ ، وبلا نسبة في الإنصاف ص ٦٥٥ ، وشرح ابن عقيل ص ١٧.