شفاعته صلىاللهعليهوسلم لا ترد ، وقد ورد إن نفس المؤمن محبوسة عن مقامها الكريم ما لم يوف دينه ، وهو محمول على من قصر في وفائه في حال حياته ، أما من لم يقصر لفقره مثلا فلا ، كما أوضحت ذلك في شرح المنهاج في باب الرهن.
وإنما كان صلىاللهعليهوسلم أولى بهم من أنفسهم لأنه لا يدعوهم إلا إلى العقل والحكمة ، ولا يأمرهم إلا بما ينجيهم ، وأنفسهم إنما تدعوهم إلى الهوى والفتنة فتأمرهم بما يرد بهم ، فهو يتصرف فيهم تصرف الآباء بل أعظم بهذا السبب الرباني فأي : حاجة إلى السبب الجسماني (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) أي : المؤمنين أي : مثلهن في تحريم نكاحهن ووجوب احترامهن وطاعتهن إكراما له صلىاللهعليهوسلم لا فى حكم الخلوة والنظر والظهار والمسافرة والنفقة والميراث ، وهو صلىاللهعليهوسلم أب للرجال والنساء ، وأما قوله تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) [الأحزاب ، ٤٠] فمعناه ليس أحد من رجالكم ولد صلبه وسيأتي ذلك ويحرم سؤالهن إلا من وراء حجاب ، وسيأتي ما يتعلق بذلك إن شاء الله تعالى في محله.
وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بغلام وهو يقرأ في المصحف «النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم» فقال : يا غلام حكتها فقال : هذا مصحف أبي فذهب إليه فسأله فقال : إنه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصفق بالأسواق ، ومعنى ذلك : أن هذا كان يقرأ أولا ، ونسخ لما روي عن عكرمة أنه قال : كان في الحرف الأول (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) وهو أبوهم ، وعن الحسن قال في القراءة الأولى : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وقوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ) أي : القرابات بأنواع النسب من النبوة وغيرها (بَعْضُهُمْ أَوْلى) بحق القرابة (بِبَعْضٍ) أي : في التوارث ، ثم نسخ لما كان في صدر الإسلام فإنهم كانوا فيه يتوارثون بالحلف والنصر فيقول : ذمتي ذمتك ترثني وأرثك ، ثم نسخ بالإسلام والهجرة ، ثم نسخ بآية المواريث وبالآية التي في آخر الأنفال وأعادها تأكيدا ، فإن آية المواريث مقدمة ترتيبا ونزولا على آية الأنفال ، وآية الأنفال على هذه كذلك وقوله تعالى : (فِي كِتابِ اللهِ) يحتمل أن ذلك في اللوح المحفوظ أو فيما أنزل وهو هذه الآيات المذكورة أو فيما فرض الله.
ولما بين أنهم أولى لسبب القرابة بين المفضل عليه بقوله تعالى : (مِنْ) أي : هم أولى بسبب القرابة من (الْمُؤْمِنِينَ) الأنصار من غير قرابة مرجحة (وَالْمُهاجِرِينَ) أي : ومن المهاجرين المؤمنين من غير قرابة كذلك وقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا) استثناء منقطع كما جرى عليه الجلال المحلي أي : لكن أن تفعلوا (إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً) بوصية فجائز ، ويجوز أن يكون استثناء من أعم العام كما قاله الزمخشري في معنى النفع والإحسان كما تقول : القريب أولى من الأجنبي إلا في الوصية ، تريد أنه أحق منه في كل نفع من ميراث وهبة وهدية وصدقة وغير ذلك إلا في الوصية ، والمراد بفعل المعروف التوصية لأنه لا وصية لوارث وعدّى تفعلوا بإلى ؛ لأنه في معنى تسدوا. والمراد بالأولياء : المؤمنون والمهاجرون للولاية في الدين (كانَ ذلِكَ) أي : ما ذكر من آيتي (ادْعُوهُمْ النَّبِيُّ أَوْلى) وقيل : أول ما نسخ من الآيات الإرث بالإيمان والهجرة ثابتا (فِي الْكِتابِ) أي : اللوح المحفوظ والقرآن (مَسْطُوراً) قال الأصبهاني : وقيل في التوراة قال البقاعي : لأن في التوراة إذا نزل رجل بقوم من أهل دينه فعليهم أن يكرموه ويواسوه ، وميراثه لذوي قرابته ، فالآية من الاحتباك ، أثبت وصف الإيمان أولا دليلا على حذفه ثانيا ووصف الهجرة ثانيا