حتى أطاعهما وعصى عمر فقال عمر : أمّا إذا عصيتني فخذ ناقتي فليس في الدنيا بعير يلحقها فإن رابك منهما ريب فارجع فلما انتهوا إلى البيداء قال أبو جهل : إن ناقتي قد كلت فاحملني معك قال : نعم فنزل ليوطئ لنفسه وله فأخذاه وشدّاه وأوثقاه وجلده كل واحد منهما مائة جلدة وذهبا به إلى أمه فقالت : لا تزال في عذاب حتى ترجع عن دين محمد فنزلت رضي تعالى الله عنه وأرضاه ونفعنا به في الدنيا والآخرة.
ولما كان التقدير فالذين أشركوا وعملوا السيئات لندخلنهم في المفسدين ولكنه طواه لدلالة السياق عليه عطف عليه زيادة في الحث على الإحسان إلى الوالدين قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا) تحقيقا لإيمانهم (الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) أي : الأنبياء والأولياء بأن نحشرهم معهم ، أو ندخلهم وهم الجنة ، والصلاح منتهى درجات المؤمنين ومنتهى أنبياء الله والمرسلين.
ولما بين سبحانه وتعالى المؤمن بقوله تعالى : (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا) وبين الكافر بقوله تعالى : (وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) بين أنه بقي قسم ثالث مذبذب بقوله تعالى :
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ) بأن عذبهم الكفرة على الإيمان (جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ) أي : له بما يصيبه من أذيتهم في منعه عن الإيمان إلى الكفر (كَعَذابِ اللهِ) أي : في الصرف عن الكفر إلى الإيمان (وَلَئِنْ) لام قسم (جاءَ نَصْرٌ) أي : للمؤمنين (مِنْ رَبِّكَ) أي : بفتح وغنيمة (لَيَقُولُنَ) حذف منه نون الرفع لتوالي النونات ، والواو ضمير الجمع لالتقاء الساكنين (إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) في الإيمان فأشركونا في الغنيمة وأما عند الشدّة فيجبنون كما قال الشاعر (١) :
وما أكثر الأصحاب حين تعدهم |
|
ولكنهم في النائبات قليل |
قال الله تعالى : (أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ) أي : بعالم (بِما فِي صُدُورِ) أي : قلوب (الْعالَمِينَ) من الإيمان والنفاق.
(وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) أي : بقلوبهم (وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ) فيجازي الفريقين ، واللام في الفعلين لام قسم.
ولما بين الفرق الثلاثة وأحوالهم ذكر أن الكافر يدعو من يقول آمنت إلى الكفر بقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : ظاهرا وباطنا (لِلَّذِينَ آمَنُوا) أي : ظاهرا وباطنا لم تتحملون الأذى والذل؟ (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا) أي : الذي نسلكه في ديننا تدفعوا عن أنفسكم ذلك ، فقالوا : نخاف من عذاب الله تعالى على خطيئة اتباعكم فقالوا لهم اتبعونا (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) إن كان ذلك خطيئة أو إن كان بعث ومؤاخذة ، قال الجلال المحلي : والأمر بمعنى الخبر وهو أولى من قول البيضاوي : وإنما أمروا أنفسهم بالحمل عاطفين على أمرهم بالاتباع مبالغة في تعليق الحمل بالاتباع والوعد بتخفيف الأوزار عنهم إن كان تشجيعا للمؤمنين على الاتباع وبهذا الاعتبار رد عليهم وكذبهم بقوله (وَما هُمْ) أي : الكفار (بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ) أي : المؤمنين (مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) في ذلك ، قال الزمخشري : وترى في المتسمين بالإسلام من يستن بأولئك فيقول لصاحبه إذا أراد أن يشجعه على ارتكاب بعض العظائم افعل هذا وإثمه في عنقي وكم من مغرور
__________________
(١) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.