بقاء معناه في حق الله تعالى وقال الفرّاء : إن لعلّ بمعنى كي فتفيد العلية كما تقول : اعمل لعلك تأخذ أجرتك.
فائدة : قرأ رجل عند يحيى بن معاذ (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) فبكى يحيى وقال : إلهي هذا برك بمن يقول : أنا الإله فكيف برك بمن يقول : أنت الإله فإن قيل : ما الفائدة في إرسالهما والمبالغة عليهما في الاجتهاد مع علمه تعالى بأنه لا يؤمن؟ أجيب : بأنّ ذلك لإلزام الحجة وقطع المعذرة وإظهار ما حدث في تضاعيف ذلك من الآيات والتذكر للمتحقق والخشية للمتوهم ولذلك قدّم الأوّل أي : إن لم يتحقق صدقكما ولم يتذكر فلا أقل من أن يتوهمه فيخشى. ويروى عن كعب أنه قال : والذي يحلف به كعب إنه لمكتوب في التوراة (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) وسأقسي قلبه فلا يؤمن ولقد تذكر فرعون وخشي حين لم تنفعه الذكرى والخشية ، وذلك حين ألجمه الغرق قال : (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [يونس ، ٩٠].
ثم إنّ موسى وهارون. (قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ) أي : يعجل (عَلَيْنا) بالعقوبة (أَوْ أَنْ يَطْغى) أي : يتجاوز الحد في الإساءة علينا ، فإن قيل : لما تكرّر الأمر من الله تعالى بالذهاب ، فعدم الذهاب والتعلل بالخوف هل يدل على معصية؟ أجيب : بأنّ الأمر ليس على الفور فسقط السؤال وهذا من أقوى الدلائل على أنّ الأمر لا يقتضي الفور ، فإن قيل : قوله تعالى : (قالا رَبَّنا) يدل على أنّ المتكلم موسى وهارون ولم يكن هارون هناك حاضرا؟ أجيب : بأنّ الكلام كان مع موسى إلا أنه كان متبوع هارون فجعل الخطاب معه خطابا مع هارون وكلام هارون على سبيل التقدير في تلك الحالة وإن كان موسى وحده إلا أنه تعالى أضافه إليهما كما في قوله تعالى : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها) [البقرة ، ٧٢] وقوله : (لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) [المنافقون ، ٨] روي أنّ القائل عبد الله بن أبيّ وحده ، فإن قيل : إنّ موسى قال : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) [طه ، ٢٥] فأجابه الله تعالى بقوله : (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) [طه ، ٣٦] وهذا يدل على أنه تعالى قد شرح صدره ويسر له ذلك الأمر. فكيف قال بعده : (إِنَّا نَخافُ) فإنّ حصول الخوف يمنع من حصول شرح الصدر؟ أجيب : بأنّ شرح الصدر عبارة عن تقويته على ضبط تلك الأوامر والنواهي وحفظ تلك الشرائع على وجه لا يتطرق إليها السهو والتحريف وذلك شيء آخر غير الخوف.
(قالَ) الله تعالى لهما (لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما) حافظكما وناصركما (أَسْمَعُ وَأَرى) أي : ما يجري بينكما وبينه من قول وفعل ، فأفعل ما يوجبه حفظي ونصري ، وقال ابن عباس : أسمع دعاءكما فأجيبه وأرى ما يراد بكما فأمنع فلست بغافل عنكما فلا تهتما ، وقال القفال : قوله تعالى : (أَسْمَعُ وَأَرى) يحتمل أن يكون مقابلا لقوله تعالى : (يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى ؛ يَفْرُطَ عَلَيْنا) بأن لا يسمع منا (أَوْ أَنْ يَطْغى) بأن يقتلنا ، قال تعالى : (إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ) كلامكما فأسخره للاستماع منكما ، (وَأَرى) أفعاله فلا أتركه حتى يفعل بكما ما تكرهانه.
ثم إنه سبحانه وتعالى أعاد ذلك التكليف فقال : (فَأْتِياهُ) لأنه سبحانه وتعالى قال في المرّة الأولى : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ) [طه ، ٤٣] وفي الثانية قال : (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ) [طه ، ٤٢] وفي الثالثة قال : (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ) [طه ، ٢٤] وفي الرابعة قال ههنا : (فَأْتِياهُ ،) فإن قيل : إنه تعالى أمرهما في الثانية بأن يقولا له قولا لينا ، وههنا أمرهما بقوله تعالى : (فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي