وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (٩٥) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (٩٦) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨) وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (٩٩) وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (١٠٠) الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (١٠١) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً (١٠٢))
(حَتَّى إِذا بَلَغَ) في مسيره ذلك (بَيْنَ السَّدَّيْنِ) أي : بين الجبلين وهما جبلا أرمينية وأذربيجان وقيل : جبلان في أواخر الشمال ، وقيل : هذا المكان في منقطع بلاد الترك من ورائهما يأجوج ومأجوج ، قال الرازي : والأظهر أن موضع السد في ناحية الشمال سد الإسكندر ما بينهما كما سيأتي ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص بفتح السين والباقون بضمها وهما لغتان معناهما واحد ، وقال عكرمة : ما كان من صنع بني آدم فهو السد بالفتح وما كان من صنع الله فهو بالضم وقاله أبو عمرو ، وقيل : بالعكس (وَجَدَ مِنْ دُونِهِما) أي : بقربهما من الجانب الذي هو أدنى منهما إلى الجهة التي أتى منها ذو القرنين (قَوْماً) أي : أمة من الناس لغتهم في غاية البعد من لغات بقية الناس لبعد بلادهم عن بقية البلاد فهم كذلك (لا يَكادُونَ) أي : لا يقربون (يَفْقَهُونَ) أي : يفهمون (قَوْلاً) ممن مع ذي القرنين فهما جيدا كما يفهم غيرهم لغرابة لغتهم وقلة فطنتهم ، وقرأ حمزة والكسائي بضم الياء وكسر القاف والباقون بفتحهما ، وقال ابن عباس : لا يفقهون كلام أحد ولا يفهم الناس كلامهم واستشكل بقولهم :
(قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ) وأجيب : بأنه تكلم عنهم مترجم ممن هو مجاورهم ويفهم كلامهم (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) وهما اسمان أعجميان لقبيلتين فلم ينصرفا ، وقرأ عاصم بهمزة ساكنة بعد الياء والميم والباقون بالألف فيهما وهما لغتان أصلهما من أجيج النار وهو ضوءها وشررها شبهوا به لكثرتهم وشدتهم وهم من أولاد يافث بن نوح ، قال الضحاك : هم جيل من الترك ، قال السدي : الترك سرية من يأجوج ومأجوج خرجت فضرب ذو القرنين السدّ فبقيت خارجة فجميع الترك منهم ، وعن قتادة أنهم اثنان وعشرون قبيلة بنى ذو القرنين السدّ على إحدى وعشرين قبيلة وبقيت قبيلة واحدة فهم الترك سموا الترك لأنهم تركوا خارجين ، قال أهل التواريخ : أولاد نوح ثلاثة : سام وحام ويافث ، فسام أبو العرب والعجم والروم ، وحام أبو الحبشة والزنج والنوبة ، ويافث أبو الترك والخزر والصقالبة ويأجوج ومأجوج ، وقال ابن عباس في رواية عطاء : هم عشرة أجزاء وولد آدم كلهم جزء ، وروي عن حذيفة مرفوعا أن يأجوج أمة ومأجوج أمة وكل أمة أربعمائة ألف أمة لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح وهم من ولد آدم يسيرون في خراب الأرض ، وقال : هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز شجر بالشام طوله عشرون ومائة ذراع في السماء ، وصنف منهم طوله وعرضه سواء عشرون ومائة وهؤلاء لا تقوم لهم الجبال ولا الحديد ، وصنف منهم يفرش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى لا يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير إلا أكلوه ومن مات منهم أكلوه مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية ، ومنهم أن ثبت لهم مخالب في أظفارهم وأضراسهم كأضراس السباع ، وعن علي