رَبَّكَ) أي : المحسن إليك بطواعية أصحابك لك ، (لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) أي : هؤلاء المختلفين (يَوْمَ الْقِيامَةِ) وهو يوم اجتماع جميع الخلائق (فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) فيحكم للمحقين بالثواب وللمبطلين بالعقاب.
ولما أمر الله
تعالى محمدا صلىاللهعليهوسلم باتباع إبراهيم عليه الصلاة والسّلام بين الشيء الذي
أمره بمتابعته فيه بقوله تعالى :
(ادْعُ إِلى سَبِيلِ
رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ
أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥) وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما
عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦)
وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي
ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧) إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا
وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (١٢٨))
(ادْعُ) أي : كل من تمكن دعوته ممن بعثت إليه (إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ) أي : المحسن إليك بتسهيل السبيل الذي تدعو إليه واتساعه
وهو الإسلام الذي هو الملة الحنيفية (بِالْحِكْمَةِ) أي : المعاملة المحكمة وهو الدليل الواضح المزيل للشبهة
(وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ) أي : بالدعاء إلى الله تعالى بالترغيب والترهيب
بالخطابات المتقنة والعبارات النافعة. والأولى لدعوى خواص الأمة الطالبين للحقائق
والثانية لدعوى عوامهم (وَجادِلْهُمْ) أي : وجادل معانديهم (بِالَّتِي) أي : بالمجادلة التي (هِيَ أَحْسَنُ) كالدعاء إلى الله تعالى بآياته والدعاء إلى حججه
بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين من غير غلظ ولا تعسف فإن ذلك
أنفع في تسكين لهبهم ، وتبيين شبههم ، وقيل : المراد بالحكمة القرآن ، أي : ادعهم
بالقرآن والموعظة الحسنة الرفق واللين في الدعوة ، وفي الأمر بالمجادلة التي هي
أحسن الإعراض عن أذاهم وعدم التقصير في تبليغ الرسالة والدعاء إلى الحق وعلى هذا
القول قال بعض علماء التفسير : هذا منسوخ بآية السيف ، وقيل : إنّ الناس خلقوا
وجبلوا على ثلاثة أقسام : القسم الأوّل : العلماء الكاملون وهم أصحاب العلوم
الصحيحة والبصائر الشافية الذين يطلبون معرفة الأشياء على حقائقها فهؤلاء هم
المشار إليهم بقوله تعالى : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ
رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ) أي : ادعهم بالدلائل القطعية اليقينية حتى يعلموا
الأشياء بحقائقها وينفعوا الناس وهم خواص العلماء من الصحابة وغيرهم. القسم الثاني
: أصحاب الفطرة السليمة والخلقة الأصلية وهم غالب الناس الذين لم يبلغوا حد الكمال
ولم ينزلوا إلى حضيض النقصان فهم أوسط الأقسام وهم المشار إليهم بقوله تعالى : (وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) أي : ادع هؤلاء بالموعظة الحسنة. القسم الثالث : أصحاب
جدال وخصام ومعاندة وهؤلاء هم المشار إليهم بقوله تعالى : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي : حتى ينقادوا إلى الحق ويرجعوا إليه.
(إِنَّ رَبَّكَ) المحسن إليك بالتخفيف عنك (هُوَ أَعْلَمُ) أي : من كل من يتوهم فيه علم (بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ
أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) أي : فهو سبحانه وتعالى أعلم بالفريقين فمن كان فيه خير
كفاه الوعظ والنصيحة اليسيرة ومن لا خير فيه عجزت عنه الحيل وكأنك تضرب في حديد
بارد فما عليك إلا البلاغ والدعوة ، وأمّا حصول الهداية والضلال والمجازاة عليهما
فليس ذلك إليك ، وهذا قبل الأمر بالقتال.
وذكر في قوله
تعالى : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ
فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) أقوال : أحدها : وهو قول ابن