الصفة الأولى : قوله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) أي : لكماله واستجماعه فضائل لا تكاد توجد إلا متفرّقة في أشخاص كثيرة كقول القائل (١) :
وليس لله ـ ، (أي : من الله) ـ بمستنكر |
|
أن يجمع العالم في واحد |
أي أن يجمع صفاتهم في شخص واحد. وقال مجاهد : كان مؤمنا وحده والناس كلهم كانوا كفارا فلهذا المعنى كان وحده أمّة واحدة. وكان النبيّ صلىاللهعليهوسلم يقول في زيد بن عمرو بن نفيل : «يبعثه الله امّة واحدة» (٢). وعن شهر بن حوشب لم تبق الأرض إلا وفيها أربعة عشر يدفع الله تعالى بهم عن أهل الأرض إلا زمن إبراهيم فإنّه كان وحده ، وقيل : أمّة فعلة بمعنى مفعول كالدخلة والنخبة من أمّه إذا قصده واقتدى به ، فإنّ الناس كانوا يؤمونه للاستفادة ويقتدون بسيره كقوله تعالى : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) [البقرة ، ١٢٤]. وقرأ هشام أن إبراهام وملة إبراهام بالألف بعد الهاء فيهما. وقرأ الباقون بالياء فيهما. الصفة الثانية : قوله تعالى : (قانِتاً لِلَّهِ) أي : مطيعا له قائما بأوامره. الصفة الثالثة : قوله تعالى : (حَنِيفاً) أي : مائلا عن الباطل ، قال ابن عباس : إنه أوّل من اختتن ، وأقام مناسك الحج ، وضحى وهذه السنة الحنيفية. الصفة الرابعة : قوله تعالى : (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي : أنه عليه الصلاة والسّلام كان من الموحدين في الصغر والكبر ، وقد أبطل عبادة الأصنام والكواكب بقوله : (لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) [الأنعام ، ٧٦] ثم كسر تلك الأصنام حتى آل الأمر إلى أنّ القوم ألقوه في النار وذلك دليل إثبات الصانع مع ملك زمانه ، وهو قوله : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) [البقرة ، ٢٥٨]. ثم طلب من الله تعالى أن يريه كيف يحيي الموتى ليحصل له زيادة الطمأنينة. قال الرازي : ومن وقف على علم القرآن علم أنّ إبراهيم عليه الصلاة والسّلام كان غريقا في بحر علم التوحيد.
الصفة الخامسة : قوله تعالى : (شاكِراً لِأَنْعُمِهِ) فإن قيل : لفظ الأنعم جمع قلة ونعمة الله تعالى على إبراهيم عليهالسلام كانت كثيرة فلم قال : (شاكِراً لِأَنْعُمِهِ؟) أجيب : بأنه ذكر القلة للتنبيه على أنه كان لا يخل بشكر القليلة فكيف بالكثيرة. وروي أنه عليه الصلاة والسّلام كان لا يتغدّى إلا مع ضيف فلم يجد ذات يوم ضيفا فأخر غداءه فإذا هو بقوم من الملائكة في صورة البشر فدعاهم إلى الطعام فخيلوا له أنّ بهم جذاما فقال لهم : الآن وجبت مؤاكلتكم شكرا لله على أنه عافاني وابتلاكم بهذا البلاء. الصفة السادسة : قوله تعالى : (اجْتَباهُ) أي : اصطفاه للنبوّة واختاره لخلقه. الصفة السابعة : قوله تعالى : (وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي : وهداه إلى دين الإسلام لأنه الصراط المستقيم ، والدين القويم ، ونظيره قوله تعالى : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ) [الأنعام ، ١٥٣].
الصفة الثامنة : قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) قال قتادة : حببه للناس حتى أنّ أرباب الملل يتولونه ويثنون عليه ، وأمّا المسلمون واليهود والنصارى فظاهر ، وأمّا كفار قريش وسائر
__________________
(١) البيت بتمامه :
ليس على الله بمستنكر |
|
أن يجمع العالم في واحد |
والبيت من السريع ، وهو لأبي نواس في ديوانه ١ / ٣٤٩ ، وبلا نسبة في شرح قطر الندى ص ١١٤.
(٢) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ١٢ / ٤٤٢.