(ثُمَّ إِذا كَشَفَ) سبحانه وتعالى (الضُّرَّ) أي : الذي مسكم (عَنْكُمْ) ونبه على مسارعة الإنسان في الكفران فقال : (إِذا فَرِيقٌ) أي : جماعة هم أهل فرقة وضلال (مِنْكُمْ) أي : أيها العباد (بِرَبِّهِمْ) الذي تفرّد بالإنعام عليهم (يُشْرِكُونَ) أي : يوقعون الإشراك بعبادة غيره. (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) أي : من النعم.
تنبيه : في هذه اللام وجهان : الأوّل : أنها لام كي فيكون المعنى على هذا أنهم إنما أشركوا بالله ليجحدوا نعمه عليهم في كشف الضر. الثاني : أنها لام العاقبة كما في قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص ، ٨] والمعنى عاقبة أمرهم هو كفرهم بما آتيناهم من النعماء ، وكشفنا عنهم الضر والبلاء.
ثم إنه تعالى توعدهم بعد ذلك بقوله تعالى : (فَتَمَتَّعُوا) أي : باجتماعكم على عبادة الأصنام وهذا لفظه أمر والمراد منه التهديد كقوله تعالى : (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا) [الإسراء ، ١٠٧]. وقوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف ، ٢٩]. (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) عاقبة أمركم وما ينزل بكم من العذاب.
ولما بين تعالى بالدلائل القاهرة فساد قول أهل الشرك والتشبيه شرح تفاصيل أقوالهم ، وبين فسادها بأنواع الأوّل قوله تعالى : (وَيَجْعَلُونَ) أي : المشركون (لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ) من الحرث والأنعام بقولهم هذا لله وهذا لشركائنا.
تنبيه : الضمير في قوله تعالى : (لِما لا يَعْلَمُونَ) عائد على الأصنام ، أي : أنّ الأصنام لا تعي شيئا البتة لأنها جماد والجماد لا علم له. وقيل : عائد إلى المشركين ، ومعنى لا يعلمونها أنهم يسمونها آلهة فيعتقدون فيها جهالات مثل أنها تنفعهم وتشفع لهم وليس الأمر كذلك.
ثم أقسم سبحانه وتعالى بنفسه على نفسه أنه يسألهم يوم القيامة بقوله تعالى : (تَاللهِ لَتُسْئَلُنَ) سؤال توبيخ وفيه التفات من الغيبة إلى الحضور وهو من بديع الكلام وبليغه. (عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ) على الله من أنه أمركم بذلك.
تنبيه : في وقت السؤال احتمالان الأوّل : أنه يقع عند القرب من الموت. الثاني : أنه يقع في الآخرة. قال الرازي : وهذا أولى. النوع الثاني قوله تعالى : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ) ونظيره قوله تعالى : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) كانت خزاعة وكنانة يقولون الملائكة بنات الله. قال الرازي : أظنّ أنّ العرب إنما أطلقوا لفظ البنات على الملائكة لاستتارهم عن العيون ، فأشبهوا النساء في الاستتار فأطلقوا عليهم البنات. قال ابن عادل : وهذا الذي ظنه ليس بشيء فإنّ الجنّ أيضا مستترون عن العيون ، ولم يطلقوا عليهم لفظ البنات.
ولما حكى الله تعالى عنهم هذا القول ، قال تعالى : (سُبْحانَهُ) وفيه وجهان : الأوّل : أن يكون المراد تنزيه ذاته عن نسبة الولد إليه الثاني : تعجيب الخلق من هذا الأمر والجهل الصريح وهو وصف الملائكة بالأنوثة ثم نسبتها بالولدية إلى الله تعالى ، قيل في التفسير : معناه معاذ الله وذلك مقارب للوجه الأوّل. ولما ذكر الله تعالى إلى ما جعلوا له مع الغنى المطلق بين ما نسبوا لأنفسهم مع لزوم الحاجة والضعف بقوله تعالى : (وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) من البنين وقد يكونون أعداء أعدائهم.
ثم إنه تعالى ذكر أنّ الواحد من هؤلاء المشركين لا يرضى بالولد البنت لنفسه فكيف يثبته لله