«نحرنا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فرسا ونحن بالمدينة» (١). وبما روي عن جابر رضي الله عنه «أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في الخيل» (٢). وفي رواية : «أكلنا في زمن خيبر الخيل وحمر الوحش ونهى النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن الحمار الأهلي» (٣) هذه رواية البخاري ومسلم. وفي رواية أبي داود قال : «ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير وكنا قد أصابنا مخمصة فنهانا النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن البغال والحمير ، ولم ينهنا عن الخيل» (٤).
وأجابوا عن هذه الآية بأن ذكر الركوب والزينة لا يدل على أنّ منفعتها مختصة بذلك وإنما خص هاتين المنفعتين بالذكر لأنهما معظم المقصود ولهذا سكت عن حمل الأثقال على الخيل مع قوله تعالى في الأنعام : (وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ) ولم يلزم من ذلك تحريم الأثقال على الخيل. وقال الواحدي : لو دلت هذه الآية على تحريم أكل هذا الحيوان لكان تحريم أكلها معلوما في مكة لأجل أنّ هذه السورة مكية ولو كان الأمر كذلك لكان قول عامّة المفسرين والمحدّثين أنّ لحوم الحمر الأهلية حرمت عام خيبر ، أي : وذلك في المدينة باطلا لأنّ التحريم لما كان حاصلا قبل هذا اليوم لم يكن لتخصيص هذا التحريم بهذه السنة فائدة ، قال الرازي : وهذا جواب حسن متين. وقال ابن الخازن : والدليل الصحيح المعتمد عليه في إباحة لحوم الخيل أنّ السنة مبينة للكتاب. ولما كان نص الآية يقتضي أنّ الخيل والبغال والحمير مخلوقة للركوب والزينة وكان الأكل مسكوتا عنه ودار الأمر فيه على الإباحة والتحريم فوردت السنة بإباحة لحوم الخيل وتحريم لحوم البغال والحمير ، أخذنا به جمعا بين النصين. ولما ذكر سبحانه وتعالى هذه الأنواع من الحيوان ذكر باقيها على سبيل الإجمال بقوله تعالى : (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) وذلك لأنّ أنواعها وأصنافها وأقسامها كثيرة خارجة عن الحدّ والإحصاء ولو خاض الإنسان في شرح عجائب أحوالها لكان المذكور بعد كتبه المجلدات الكثيرة كالقطرة في البحر فكان أحسن الأحوال ذكرها على سبيل الإجمال كما ذكر الله تعالى في هذه الآية. وروى عطاء ومقاتل والضحاك عن ابن عباس أنه قال : إنّ عن يمين العرش نهرا من نور مثل السموات السبع والأرضين السبع والبحار السبعة يدخل فيه جبريل كل يوم ويغتسل فيزداد نورا إلى نوره وجمالا إلى جماله ثم ينتفض فيخلق الله تعالى من كل نفضة تقع من ريشه تقع كذا وكذا ألف ملك يدخل كل يوم منهم سبعون ألفا البيت المعمور وفي الكعبة أيضا سبعون ألفا لا يعودون إليه إلى أن تقوم الساعة سبحان من له هذا الملك العظيم ، قال تعالى : (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) [المدثر ، ٣١]. وفسر قتادة الآية بالسوس في النبات والدود في الفواكه وفسرها بعضهم بما أعدّ الله تعالى لأهل الجنة في الجنة بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
ولما شرح الله تعالى دلائل التوحيد قال تعالى : (وَعَلَى اللهِ) أي : الذي له الإحاطة بكل شيء (قَصْدُ السَّبِيلِ) أي : بيان الطريق المستقيم إنما ذكرت هذه الدلائل وشرحها إزاحة للعذر وإزالة للعلة ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة والمراد بالسبيل الجنس ولذلك أضاف
__________________
(١) أخرجه بنحوه البخاري في الذبائح حديث ٥٥١٠ ، والزيلعي في نصب الراية ٤ / ١٩٨.
(٢) أخرجه النسائي في الصيد حديث ٤٣٢٧.
(٣) أخرجه مسلم في الصيد حديث ٥٦١ ، وأبو داود في الأطعمة حديث ٣٨٠٤.
(٤) أخرجه أبو داود في الأطعمة حديث ٣٧٨٩.