الطريق الحميدة بإلقاء الوسوسة في قلوبهم ولأحملنهم. (أَجْمَعِينَ) على الغواية.
وقوله : (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) قرأه ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بكسر اللام ، أي : الذين أخلصوا دينك عن الشوائب وقرأه الباقون بفتحها ، أي : الذين أخلصهم الله تعالى بالهداية وإنما استثنى إبليس المخلصين لأنه علم أنّ كيده لا يعمل فيهم ولا يقبلون منه. وقال الرازي : والذي حمله على هذا الاستثناء أنه لا يصير كاذبا في دعواه فلما احترز إبليس عن الكذب علمنا أنّ الكذب في غاية الخساسة.
تنبيه : قال رويم : الإخلاص في العمل هو أن لا يريد صاحبه عنه عوضا من الدارين ولا عوضا من الملكين. وقال الجنيد : الإخلاص سر بين العبد وبين الله تعالى لا يعلمه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده ولا هوى فيميله. وذكر القشيري وغيره عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «سألت جبريل عليهالسلام عن الإخلاص ما هو؟ قال : سألت رب العزة عن الإخلاص ما هو؟ قال : سرّ استودعته قلب من أحب من عبادي» (١).
ولما ذكر إبليس أنه يغوي بني آدم إلا من عصمه الله بتوفيقه وتضمن هذا الكلام تفويض الأمور إلى الله تعالى وإلى إرادته. (قالَ) تعالى (هذا) أي : الذي ذكرته من حال المستثنى والمستثنى منه (صِراطٌ) أي : طريق (عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) أي : لا انحراف عنه لأني قضيت به وحكمت به عليك وعليهم ولو لم تقل أنت. ولما قال إبليس لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين أوهم هذا أنّ له سلطانا على عباد الله غير المخلصين فبين تعالى كذبه أنه ليس له سلطان على أحد من عبيد الله سواء أكانوا مخلصين أو لم يكونوا مخلصين بل ومن اتبع منهم إبليس باختياره صار تبعا له ولكن حصول تلك المتابعات أيضا ليس لأجل إبليس وأوهم أن له على بعض عباد الله سلطانا فبين تعالى كذبه.
وذكر تعالى أنه ليس له على أحد منهم سلطان ولا قدرة أصلا بقوله تعالى : (إِنَّ عِبادِي) أي : المؤمنين كلهم (لَيْسَ لَكَ) أي : بوجه من الوجوه (عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) أي : لتردّهم كلهم عما يرضيني ونظير هذه الآية قوله تعالى حكاية عن إبليس : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) [إبراهيم ، ٢٢] وقال تعالى في آية أخرى : (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) [النحل : ٩٩ ، ١٠٠]. (إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ) أي : بتعمد منه ورغبة من اتباعك (مِنَ الْغاوِينَ) أي : ومات من غير توبة فإني جعلت لك عليهم سلطانا بالتزيين والإغواء وسئل سفيان بن عيينة عن هذه الآية؟ فقال : معناه ليس لك عليهم سلطان تلقيهم في ذنب يضيق عنه عفوي. وقيل : إنّ الإضافة للتشريف فلا تشمل إلا الخلص فحينئذ يكون الاستثناء منقطعا وفائدة سوقه بصورة الاستثناء على تقدير الانقطاع الترغيب في رتبة التشريف بالإضافة إليه والرجوع عن اتباع العدو إلى الإقبال عليه لأن ذوي الأنفس الأبية والهمم العلية ينافسون في ذلك المقام ويرونه كما هو الحق أعلى مرام.
(وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ) أي : الغاوين وهم إبليس ومن تبعه (أَجْمَعِينَ.)
ثم بين تعالى أنهم متفاوتون فيها بقوله تعالى : (لَها) أي : لجهنم (سَبْعَةُ أَبْوابٍ) أي : سبع
__________________
(١) أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ١٠ / ٤٤.