مَسْنُونٍ) وهو أخس العناصر (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ) وهي أشرفها استنقص آدم باعتبار النوع والأصل وقد سبق الجواب عنه في سورة الأعراف.
تنبيه : قال بعض المتكلمين : إنه تعالى أوصل هذا الخطاب إلى إبليس على لسان بعض رسله وضعف لأنّ إبليس قال في الجواب : (لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ) فقوله : خلقته خطاب الحضور لا خطاب الغيبة وظاهره يقتضي أن الله تعالى تكلم مع إبليس بغير واسطة وأنّ إبليس تكلم مع الله بغير واسطة فكيف يعقل هذا مع أن مكالمة الله تعالى من غير واسطة من أعظم المناصب وأشرف المراتب فكيف يعقل حصوله لرأس الكفرة ورئيسهم؟ وأجيب : بأنّ مكالمة الله تعالى إنما تكون منصبا عاليا إذا كانت على سبيل الإكرام والإعظام فأمّا إذا كانت على سبيل الإهانة والإذلال فلا.
(قالَ) الله تعالى له (فَاخْرُجْ مِنْها) أي : من الجنة وقيل : من السموات وقيل : من زمرة الملائكة وقد تقدّم الكلام على ذلك أيضا في سورة الأعراف. (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) أي : مطرود من الخير والكرامة فإن من يطرد يرجم بالحجر أو شيطان رجيم بالشهب وهو وعيد يتضمن الجواب عن شبهته.
(وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ) أي : هذا الطرد والإبعاد (إِلى يَوْمِ الدِّينِ) قال ابن عباس : يريد يوم الجزاء حيث يجازى العباد بأعمالهم مثل قوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة ، ٣]. فإن قيل : كلمة إلى تفيد حصر انتهاء الغاية فهذا يفيد أنّ اللعنة لا تحصل إلا إلى يوم الدين وعند القيامة يزول اللعن؟ أجيب : بجوابين : الأوّل : أنّ المراد التأبيد وذكر القيامة أبعد غاية ذكرها الناس في كلامهم كقوله تعالى : (ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) [هود ، ١٠٧] في التأبيد. والثاني : أنه مذموم مدعو عليه باللعن في السموات والأرض إلى يوم القيامة من غير أن يعذب فإذا جاء اليوم عذب عذابا يقترن اللعن معه فيصير اللعن حينئذ كالزائل بسبب أنّ شدّة العذاب تذهل عنه.
ولما جعله الله تعالى رجيما ملعونا إلى يوم القيامة فكأنّ قائلا يقول فما ذا قال؟ فقيل : (قالَ رَبِ) فاعترف بالعبودية والإحسان إليه (فَأَنْظِرْنِي) أي : أخرني والإنظار تأخير المحتاج للنظر في أمره والفاء متعلقة بمحذوف دلّ عليه (فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ. إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أي : الناس أراد أن يجد فسحة في الإغواء ونجاة من الموت إذ لا موت بعد وقت البعث. (قالَ) الله تعالى مجيبا للأوّل دون الثاني بقوله تعالى : (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) وهو المسمى فيه أجلك عند الله وهو النفخة الأولى وما يتبعها من موت كل مخلوق لم يكن في دار الخلد. فإن قيل : كيف أجابه الله تعالى إلى ذلك الإمهال؟ أجيب : بأنه إنما أجابه إلى ذلك زيادة في بلائه وشقائه وعذابه لا لإكرامه ورفع مرتبته.
ولما أجيب لذلك كأنه قيل : فماذا قال فقيل : (قالَ رَبِ) أي : أيها الموجد والمدبر لي وقوله : (بِما أَغْوَيْتَنِي) أي : خيبتني من رحمتك الباء فيه للقسم وما مصدرية وجواب القسم (لَأُزَيِّنَنَ) أي : أقسم بإغوائك إياي لأزينن (لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) حب الدنيا ومعاصيك كقوله : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [ص ، ٨٢] إلا أنه في ذلك الموضع أقسم بعزة الله وهي من صفات الذات وهنا أقسم بإغواء الله ، وهي من صفات الأفعال ، والفقهاء قالوا : القسم بصفات الذات صحيح ، واختلفوا في القسم بصفات الأفعال والراجح فيها الصحة. (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ) أي : بالإضلال عن