(بَلى) إثبات لما نفوه من دخول غيرهم الجنة (مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) أي : انقاد لأمره وخص الوجه ؛ لأنه أشرف الأعضاء الظاهرة فغيره أولى (وَهُوَ مُحْسِنٌ) في عمله وقيل : مخلص وقيل : مؤمن (فَلَهُ أَجْرُهُ) أي : ثواب عمله ثابتا (عِنْدَ رَبِّهِ) لا يضيع ولا ينقص والجملة جواب من إن كانت شرطية وخبرها إن كانت موصولة والفاء فيها لتضمنها معنى الشرط فيكون الردّ بقوله : بلى وحده ويحسن الوقف عليه ويصح أن يكون قوله : من أسلم فاعل فعل مقدّر مثل بلى يدخلها من أسلم فلا يحسن الوقف عليه ويصح أن يكون قوله فله أجره عند ربه كلاما معطوفا على يدخلها من أسلم (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) في الآخرة.
ولما قدم نصارى نجران على النبيّ صلىاللهعليهوسلم أتاهم أحبار اليهود فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم ، فقالت لهم اليهود : ما أنتم على شيء من الدين وكفروا بعيسى والإنجيل وقالت النصارى لليهود : ما أنتم على شيء من الدين وكفروا بموسى والتوراة أنزل الله تعالى.
(وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ) أي : يعتدّ به وكفروا بعيسى والإنجيل (وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ) أي : يعتدّ به وكفروا بموسى والتوراة (وَهُمْ) أي : الفريقان (يَتْلُونَ الْكِتابَ) أي : المنزّل عليهم ، وفي كتاب اليهود تصديق عيسى ، وفي كتاب النصارى تصديق موسى ، والجملة حال وأل في الكتاب للجنس أي : قالوا ذلك وهم من أهل العلم والكتاب (كَذلِكَ) أي : كما قال هؤلاء (قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) كعبدة الأصنام ، والمعطلة وهم الذين لا يثبتون الصانع وقوله تعالى : (مِثْلَ قَوْلِهِمْ) بيان لمعنى ذلك أي : قال كلّ ذي دين ليسوا على شيء وبخهم الله تعالى على المكابرة والتشبه بالجهال.
فإن قيل : لم وبخهم وقد صدقوا فإن كلا الدينين بعد النسخ ليس بشيء أجيب : بأنهم لم يقصدوا ذلك وإنما قصد به كلّ فريق إبطال دين الآخر من أصله والكفر بنبيه وكتابه كما مرّ ، مع أن ما لم ينسخ حق واجب القبول والعمل به.
تنبيه : إذا وقف حمزة وهشام على شيء فلهما أربعة وجوه : السكون ، والروم ، والإدغام ، والروم معه وسكن حمزة قبل الهمزة بخلاف عن خلّاد في الوصل وأدغم أبو عمرو الكاف في القاف بخلاف عنه (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) أي : بين الفرق الثلاثة وهم : اليهود والنصارى والذين لا يعلمون (يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) من أمر الدين فيقسم لكل فريق منهم من العقاب الذي استحقه ، وعن الحسن حكم الله بينهم أن يكذبهم ويدخلهم النار. وقرأ أبو عمرو يحكم بسكون الميم عند الباء والإخفاء بخلاف عنه.
(وَمَنْ أَظْلَمُ) أي : لا أحد أظلم (مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) بالصلاة والتسبيح (وَسَعى فِي خَرابِها) بالهدم أو التعطيل هذا عام لكل من خرب مسجدا أو سعى في تعطيله وإن نزل في أهل الروم الذين خربوا بيت المقدس وقذفوا فيه الجيف وذبحوا فيه الخنازير فكان خرابا إلى أن بناه المسلمون في أيام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أو في المشركين لما صدّوا النبيّ صلىاللهعليهوسلم عام الحديبية عن البيت.
فإن قيل : قد قال مساجد الله وإنما وقع المنع والتخريب على مسجد واحد وهو بيت المقدس أو المسجد الحرام أجيب : بأنه لا يمنع أن يجيء الحكم عاما وإن كان السبب خاصا كما تقول لمن آذى صالحا ومن أظلم ممن آذى الصالحين وكما قال الله تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) [الهمزة ،