(وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) من موجبات النار من الكفر بمحمد صلىاللهعليهوسلم وما جاء به وتحريف كتاب الله وسائر أنواع الكفر والعصيان ، ولما كانت اليد العاملة مختصة بالإنسان آلة لقدرته بها عامة صنائعه ومنها أكثر منافعه عبر بها عن النفس تارة كما هنا وعن القدرة أخرى كما في قوله تعالى : (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [الفتح ، ١٠] وهذه الجملة إخبار بالغيب وكان أخبر به كقوله تعالى : (وَلَنْ تَفْعَلُوا) [البقرة ، ٢٤].
فإن قلت : من أعلمك أنهم لم يتمنوا؟ أجيب : بأنهم لو تمنوا لنقل ذلك كما نقل سائر الحوادث ولكان ناقلوه من أهل الكتاب وغيرهم من أولي المطاعن في الإسلام أكثر من الذر وليس أحد منهم نقل ذلك.
فإن قيل : التمني من أعمال القلوب وهو سرّ لا يطلع عليه أحد فمن أين علمت أنهم لم يتمنوا؟ أجيب : بأنّ التمني ليس من أعمال القلوب إنما هو قول الإنسان بلسانه : ليت لي كذا ، فإذا قاله قالوا : تمنى. وليت كلمة تمنّ ومحال أن يقع التحدي بما في الضمائر والقلوب ولو كان التمني بالقلوب وتمنوا لقالوا : قد تمنينا الموت في قلوبنا ولم ينقل أنهم قالوا ذلك.
فإن قيل : لم يقولوه لأنهم علموا أنهم لا يصدقون أجيب : بأنه كم حكي عنهم من أشياء قاولوا بها المسلمين من الافتراء على الله وتحريف كتابه وغير ذلك مما علموا أنهم غير مصدقين فيه ولا محمل له إلا الكذب الصرف ولم يبالوا فكيف يمنعون من أن يقولوا إنّ التمني من أفعال القلوب وقد فعلناه مع احتمال أن يكونوا صادقين في قولهم وإخبارهم عن ضمائرهم وكان الرجل يخبر عن نفسه بالإيمان فيصدق مع احتمال أن يكون كذبا لأنه أمر خفي لا سبيل إلى الاطلاع عليه (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) أي : الكافرين فيجازيهم في ذلك فيه تهديد لهم وتنبيه على أنهم ظالمون في دعوى ما ليس لهم ونفيه عمن هو لهم.
(وَلَتَجِدَنَّهُمْ) اللام لام القسم والنون تأكيد القسم تقديره : والله لتجدنهم يا محمد أي : اليهود (أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ) هو من وجد بمعنى علم المتعدي إلى مفعولين ومفعولاه هم أحرص.
فإن قيل : لم قال على حياة بالتنكير؟ أجيب : بأنه أريد حياة مخصوصة هي فرد من أفرادها وهي الحياة المتطاولة (وَ) أحرص (مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) أي : المنكرين البعث عليها لعلمهم بأنّ مصيرهم النار دون المشركين لإنكارهم له.
فإن قيل : ألم يدخل الذين أشركوا تحت الناس؟ أجيب : ببلى ، ولكنهم أفردوا بالذكر ؛ لأنّ حرصهم شديد وفيه توبيخ عظيم ؛ لأنّ الذين أشركوا لا يؤمنون بعاقبة وما يعرفون إلا الحياة الدنيا فحرصهم عليها لا يستبعد لأنها جنتهم فإذا زاد عليهم في الحرص من له كتاب وهو مقرّ بالجزاء كان حقيقا بأعظم التوبيخ (يَوَدُّ) يتمنى (أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) لو مصدرية بمعنى أن وهي بصلتها في تأويل مصدر مفعول ، يودّ يقول الله تعالى : اليهود أحرص الناس على الحياة من المجوس الذين يقولون ذلك ؛ لأنّ تحية المجوس فيما بينهم عش ألف سنة (وَما هُوَ) أي : أحدهم (بِمُزَحْزِحِهِ) أي : مبعده (مِنَ الْعَذابِ) أي : النار وقوله تعالى : (أَنْ يُعَمَّرَ) فاعل مزحزحه أي : تعميره (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) فيجازيهم به.
«وسأل عبد الله بن صوريا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عمن ينزل عليه؟ فقال : جبريل فقال : ذاك عدوّنا