فقلت : ألا لعنة الله على الظالمين كان ذلك الظالم أوّليا أو مقصودا في الدعاء والباقون تبعا.
(بِئْسَمَا اشْتَرَوْا) أي : باعوا (بِهِ أَنْفُسَهُمْ) أي : حظها من الثواب ، وما نكرة بمعنى شيئا مميزة لفاعل بئس المستكن أي : بئس الشيء شيئا اشتروا به أنفسهم والمخصوص بالذم (أَنْ يَكْفُرُوا) أي : كفرهم (بِما أَنْزَلَ اللهُ) من القرآن (بَغْياً) أي : حسدا وطلبا لما ليس لهم وهو علة يكفروا ـ كما قال البيضاوي ـ دون اشتروا ، وإن قاله الزمخشري لفصل المخصوص بين (بَغْياً) الذي هو العلة وبين المعلول وهو (اشْتَرَوْا.) وحسدوه على (أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) أي : الوحي (عَلى مَنْ يَشاءُ) للرسالة (مِنْ عِبادِهِ) وهو محمد صلىاللهعليهوسلم وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بسكون نون ينزل وتخفيف الزاي ، والباقون بفتح النون وتشديد الزاي (فَباؤُ) أي : رجعوا (بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ) أي : مع غضب ، واختلف في معنى ذلك فقال ابن عباس ومجاهد : الغضب الأوّل : بتضييعهم التوراة وتبديلهم ، والثاني : بكفرهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم. وقال السديّ : الأوّل : كفرهم بعبادة العجل ، والثاني : الكفر بمحمد صلىاللهعليهوسلم. وقال قتادة : الأوّل : بكفرهم بعيسى والإنجيل ، والثاني : بمحمد صلىاللهعليهوسلم والقرآن. (وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ) أي : ذو إهانة بخلاف عذاب العاصي فإنه طهرة لذنوبه.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ) من القرآن وغيره فيعم سائر الكتب المنزلة (قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا) أي : التوراة يكفينا ذلك (وَيَكْفُرُونَ) الواو للحال (بِما وَراءَهُ) أي : بما سواه من الكتب كقوله تعالى : (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ) [المؤمنون ، ٧] أي : سواه وقال أبو عبيدة : بما بعده أي : من القرآن. وقوله تعالى : (وَهُوَ) أي : ما وراءه (الْحَقُ) حال ، وقوله : (مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ) أي : من التوراة حال ثانية مؤكدة تتضمن ردّ مقالهم فإنهم كفروا بما يوافق التوراة فقد كفروا بها ثم اعترض الله تعالى عليهم بقتل الأنبياء مع ادعاء الإيمان بالتوراة بقوله تعالى : (قُلْ) لهم يا محمد (فَلِمَ تَقْتُلُونَ) أي : قتلتم (أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) بالتوراة ، والتوراة لا تسوغه بل نهيتم فيها عن قتلهم ، والخطاب للموجودين في زمن نبينا صلىاللهعليهوسلم بما فعل آباؤهم لرضاهم به وعزمهم عليه ، قرأ نافع وحده : أنبياء الله ، بالهمز في كل القرآن ، والباقون بالبدل ، وليس لورش إلا المدّ فقط لأنه متصل.
(وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٩٢) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩٣) قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٤) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٩٥) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٩٦) قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٩٧) مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (٩٨) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ (٩٩) أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٠))
(وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ) أي : الآيات التسع في قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) [الإسراء ، ١٠١] واليد وفلق البحر (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) أي : إلها (مِنْ بَعْدِهِ) أي :