صلىاللهعليهوسلم : «بعثت بالحنيفية السهلة السمحة» (١)(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ) أي : بمحمد صلىاللهعليهوسلم (وَعَزَّرُوهُ) أي : وقروه وعظموه وأصل التعزير المنع والنصرة وتعزير النبيّ صلىاللهعليهوسلم تعظيمه وإجلاله ودفع الأعداء عنه (وَنَصَرُوهُ) على أعدائه (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) أي : القرآن سمي نورا لأن به يستنير قلب المؤمن فيخرج من ظلمات الشك والجهالة إلى ضياء اليقين والعلم ، وقيل : الهدى والبيان والرسالة ، وقيل : الحق الذي بيانه في القلوب كبيان النور.
فإن قيل : كيف يمكن حمل النور هنا على القرآن والقرآن ما أنزل مع محمد صلىاللهعليهوسلم وإنما أنزل مع جبريل عليهالسلام؟ أجيب : بأنّ معناه أنه أنزل مع نبوّته لأنّ نبوّته ظهرت مع ظهور القرآن ثم إنه تعالى لما ذكر هذه الصفات قال : (أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي : الفائزون بالمطلوب في الدنيا والآخرة.
ولما تم ما نظمه تعالى في أثناء هذه القصص من جواهر أوصاف هذا النبيّ الكريم حثا على الإيمان وإيجابا له على وجه يعلم منه أنه رسول الله إلى كل مكلف تقدّم زمانه أو تأخر قال تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) الخطاب عام وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم مبعوثا إلى كافة الثقلين بل وإلى الملائكة قاله السبكي والبقاعيّ وغيرهما وهذا هو اللائق بمقامه صلىاللهعليهوسلم وإن خالف في ذلك بعضهم ، وأما سائر الرسل فمبعوثون إلى أقوامهم فقط لقوله صلىاللهعليهوسلم : «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي أرسلت إلى الأحمر والأسود وجعلت لي الأرض طيبة مسجدا وطهورا ونصرت على عدوّي بالرعب يرعب مني مسيرة شهر وأطعمت الغنيمة دون من قبلي وقيل لي سل تعطه وأخبأت شفاعتي لأمتي» (٢).
فإن قيل : كان آدم عليهالسلام مبعوثا إلى جميع أولاده ونوح عليهالسلام لما خرج من السفينة كان مبعوثا إلى الذين كانوا معه مع أن جميع الناس في ذلك الزمان ما كانوا إلا ذلك القوم؟ أجيب : بأنّ ذلك لم يكن لعموم رسالتهما بل للحصر المذكور فليس ذلك من باب عموم الرسالة ، وقوله : (جَمِيعاً) حال من إليكم أي : إن الكل يشترط عليهم الإيمان بي والإتباع لي وقد طار الخبر بشريعة محمد صلىاللهعليهوسلم إلى كل أفق وتغلغل في كل نفق ولم يبق الله أهل مدر ولا وبر ولا سهل ولا جبل ولا بحر ولا بر في مشارق الأرض ومغاربها إلا وقد ألقاه إليهم وملأ به مسامعهم وألزمهم به الحجة وهو سائله عنهم يوم القيامة وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه حين رفع إليه الذراع فنهش منها فقال : «أنا سيد الناس يوم القيامة» (٣) ، وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنا أوّل الناس خروجا إذا بعثوا وأنا قائدهم إذا وفدوا وأنا خطيبهم إذا أنصتوا وأنا مستشفعهم إذا حبسوا وأنا مبشرهم إذا يئسوا لواء الحمد يومئذ بيدي وأنا أكرم ولد آدم على ربي ولا فخر» (٤) ، وعن أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند ٥ / ٢٦٦ ، والقرطبي في تفسيره ١٩ / ٣٩ ، وابن كثير في تفسيره ١ / ٣١٢ ، والسيوطي في الدر المنثور ١ / ١٤٠ ، ٢٤٩ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٩٠٠ ، ٣٢٠٩٥.
(٢) أخرجه مسلم في المساجد حديث ٥٢١ ، والدارمي في السير حديث ٢٤٦٧.
(٣) أخرجه البخاري في التفسير حديث ٤٧١٢ ، ومسلم في الإيمان حديث ١٩٤ ، والترمذي في القيامة حديث ٢٤٣٤.
(٤) أخرجه الترمذي في المناقب حديث ٣٦١٠.