وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غير فخر» (١) ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «ألا وأنا حبيب الله ولا فخر وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة تحته آدم فمن دونه ولا فخر وأنا أوّل شافع وأوّل مشفع يوم القيامة ولا فخر وأنا أكرم الأوّلين والآخرين ولا فخر» (٢) ، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وبيدي لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي» (٣) والفخر ادعاء العظمة والكبر والشرف أي : لا أقول تبجحا ولكن شكرا وتحدّثا بالنعمة وما اجتمع بهم في مجمع إلا كان إمامهم قبل موته وبعده اجتمع بهم ليلة الإسراء في بيت المقدس فصلى بهم إماما ثم اجتمع بهم في السماء فصلى بجميع أهل السماء إماما وأما يوم الجمع الأكبر والكرب الأعظم فيحيل الكل عليه وما أحال بعض الأكابر على بعض إلا علما منهم بأن الختام يكون به ليكون أظهر للاعتراف بإمامته والانقياد لطاعته لأنّ المحيل على المحيل على الشيء محيل على ذلك والحاصل أنه صلىاللهعليهوسلم تظهر في ذلك الموقف رسالته بالفعل إلى كافة الخلق فيظهر سر هذه الآية (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ) قال البقاعيّ : ولما دل بالإضافة إلى اسم الذات ما يدل على جميع الصفات على عموم دعوته وشمول رسالته حتى للجنّ والملائكة أيد ذلك بقوله : (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فيكون محله جرّا على الوصف وإن حيل بين الصفة والموصوف بقوله : (إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) لأنه متعلق المضاف إليه فهو كالمتقدّم عليه قال الزمخشريّ : والأحسن أن يكون محله نصبا بإضمار أعني وهذا الذي يسمى النصب على المدح ، قال البيضاوي : أو مبتدأ خبره (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي : فالكل منقادون لأمره خاضعون له ثم علل ذلك بقوله : (يُحيِي وَيُمِيتُ) أي : له هاتان الصفتان مختصا بهما ومن كان كذلك كان منفردا بما ذكر ، قال البقاعيّ : وإذا راجعت ما يأتي إن شاء الله تعالى في أوّل الفرقان مع ما مضى في أوائل الأنعام لم يبق عندك شك في دخول الملائكة عليهمالسلام في عموم الدعوة اه.
وقد مرّت الإشارة إلى ذلك ولما أمر الله تعالى رسوله محمدا صلىاللهعليهوسلم بأن يقول للناس : (إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) أمر الله تعالى جميع خلقه بالإيمان به وبرسوله بقوله : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) وذلك أن الإيمان بالله هو الأصل والإيمان برسوله فرع عليه فلهذا بدأ بالإيمان بالله ثم ثنى بالإيمان برسوله ثم وصفه تعالى بقوله : (النَّبِيِّ الْأُمِّيِ) وتقدّم معناهما (الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ) أي : بما أنزل عليه وعلى سائر الرسل من كتبه ووحيه وقال قتادة : المراد بكلماته القرآن ، وقال مجاهد : عيسى ابن مريم لأنه خلق بقوله : كن فكان ولم يكن من نطفة تمنى ، ولهذا سمي كلمة الله وقيل : هو الكلمة التي تكون عنها عيسى وجميع خلقه وهي قوله : (كُنْ* وَاتَّبِعُوهُ) أي : واقتدوا به أيها الناس فيما يأمركم به وينهاكم عنه (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أي : لكي تهتدوا وترشدوا جعل تعالى رجاء الاهتداء أثر الإيمان والاتباع تنبيها على أن من صدقه ولم يتابعه بالتزام شريعته فهو بعد في خطيئة الضلالة.
(وَمِنْ قَوْمِ مُوسى) أي : من بني إسرائيل (أُمَّةٌ) أي : جماعة (يَهْدُونَ بِالْحَقِ) أي : يهدون الناس محقين أو بكلمة الحق (وَبِهِ) أي : بالحق (يَعْدِلُونَ) أي : يحكمون والمراد بتلك الأمّة
__________________
(١) أخرجه الترمذي في المناقب حديث ٣٦١٣ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٤٣١٤.
(٢) أخرجه الترمذي في المناقب حديث ٣٦١٦.
(٣) أخرجه الترمذي في المناقب حديث ٣٦١٥.