يخافونه فقد زالت رياستهم ووقعوا في الذل والهوان وعن عطاء بن يسار قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما فقلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم في التوراة فقال : أجل إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن يا أيها النبيّ إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه الله تعالى حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا : لا إله إلا الله ويفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفاء ، انتهى. شرح غريب ألفاظه : الفظ : السيء الخلق ، والغليظ : الجافي القاسي ، والسخاب بالسين والصاد : الكثير الصياح ، والاعوجاج : ضدّ الاستقامة والملة العوجاء : الكفر ، والقلب الأغلف : الذي لا يصل إليه شيء ينفعه كأنه في غلاف.
وقوله تعالى : (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) قال الزجاج : يجوز أن يكون استئنافا ويجوز أن يكون المعنى : يجدونه مكتوبا عندهم أنه يأمرهم بالمعروف قال الرازي : ومجامع المعروف في قوله عليه الصلاة والسّلام «التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله» (١) وذلك لأنّ الموجود إمّا واجب الوجود لذاته وإمّا ممكن لذاته ، أما الواجب لذاته فهو الله تعالى ولا معروف أشرف من تعظيمه وإظهار عبوديته وإظهار الخشوع والخضوع على باب عزته والاعتراف بكونه موصوفا بصفات الكمال مبرأ عن النقائص والآفات منزها عن الأضداد والأنداد ، وأما الممكن لذاته فإن لم يكن حيوانا فلا سبيل إلى إيصال الخير إليه لأنّ الانتفاع مشروط بالحياة ومع ذلك فإنه يجب النظر إلى كلها بعين التعظيم من حيث إنها مخلوقة لله ومن حيث إنّ كل ذرة من ذرات المخلوقات لما كانت دليلا ظاهرا وبرهانا باهرا على توحيده وتنزيهه فإنه يجب النظر إليه بعين الاحترام ومن حيث إنّ لله سبحانه وتعالى في كل ذرة من ذرات المخلوقات أسرارا عجيبة وحكما خفية فيجب النظر إليها بعين الاحترام ، وأما إن كان ذلك المخلوق من جنس الحيوان فإنه يجب الشفقة عليه بأقصى ما يقدر الإنسان عليه ويدخل فيه برّ الوالدين وصلة الأرحام وبث المعروف فثبت أنّ قوله صلىاللهعليهوسلم : «التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله» كلمة جامعة لجميع جهات الأمر بالمعروف (وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ) وهو ضد الأمور المذكورة ، وقال عطاء : يأمرهم بالمعروف بخلع الأنداد وبمكارم الأخلاق وبصلة الأرحام وينهاهم عن المنكر أي : عبادة الأوثان وقطع الأرحام (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ) أي : ما حرم عليهم في شرعهم كالشحوم (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) كالدم ولحم الخنزير والربا والرشوة (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) أي : ثقلهم الذي كان يحمل عليهم ، وقرأ ابن عامر بفتح الهمزة الممدودة والصاد وألف بعد الصاد على الجمع والباقون بكسر الهمزة وسكون الصاد ولا ألف بعدها على التوحيد (وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) أي : ويضع الأثقال والشدائد التي كانت عليهم من الدين والشريعة وذلك مثل قتل النفس في التوبة وقطع الأعضاء الخاطئة وقرض النجاسة من البدن والثوب بالمقراض وغير ذلك من الشدائد التي كانت على بني إسرائيل شبهت بالأغلال التي تجمع اليد إلى العنق كما أنّ اليد لا تمتدّ مع وجود الغل فكذلك لا تمتدّ إلى الحرام الذي نهيت عنه وكانت هذه الأثقال في شريعة موسى عليه الصلاة والسّلام فلما جاء محمد صلىاللهعليهوسلم نسخ ذلك كله ويدلّ عليه قوله
__________________
(١) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.