يعطى بها خيرا. وفي رواية : «إذا خلص المؤمنون من النار وأمنوا فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا بأشد مجادلة من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار ، قال : يقولون : ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا فأدخلتهم النار قال : فيقول اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم فيأتون فيعرفونهم بصورهم لا تأكل النار صورهم فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه ومنهم من أخذته إلى ركبتيه فيخرجونهم فيقولون : ربنا قد أخرجنا من أمرتنا قال : ثم يقول : أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار ثم من كان في قلبه وزن نصف دينار حتى يقول من كان في قلبه مثقال ذرّة ، قال أبو سعيد : فمن لم يصدّق فليقرأ هذه (إِنَّ اللهَ) الخ (١) .. قال : «فيقولون ربنا قد أخرجنا من أمرتنا فلم يبق أحد في النار فيه خير ثم يقول الله عزوجل : شفعت الملائكة وشفعت الأنبياء وشفعت المؤمنون وبقي أرحم الراحمين قال : فيقبض قبضة من النار أو قال قبضتين ناسا لم يعملوا خيرا حتى احترقوا حتى صاروا حمما فيؤتى بهم إلى ماء يقال له : ماء الحياة فيصب عليهم فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ـ وهي بكسر الحاء المهملة وتجمع على حبب ـ قال : فتخرج أجسادهم مثل اللؤلؤ في أعناقهم الخاتم عتقاء الله فيقال لهم : ادخلوا الجنة فما تمنيتم أو رأيتم من شيء فهو لكم قال : فيقولون : ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين قال : فيقول الله تعالى : فإنّ لكم عندي أفضل منه فيقولون : ربنا وما أفضل من ذلك؟ فيقول : رضائي عنكم فلا أسخط عليكم أبدا» (٢).
فإن قيل : لم أنث الضمير مع أنه راجع للمثقال وهو مذكر؟ أجيب : بأنه أنثه لتأنيث الخبر أو لإضافة المثقال إلى مؤنث ، وقيل : إنّ الضمير راجع إلى ذرّة وهي مؤنثة لا إلى مثقال وحذفت النون تشبيها بحروف العلة ، وقرأ نافع وابن كثير : حسنة برفع التاء على كان التامّة والباقون بنصبها على كان الناقصة ، وقرأ ابن كثير وابن عامر (يضعفها) بتشديد العين ولا ألف قبلها والباقون بتخفيف العين وألف قبلها (وَيُؤْتِ) أي : يعط صاحب الحسنة (مِنْ لَدُنْهُ) أي : من عند الله على سبيل التفضل زائدا على ما وعد في مقابلة العمل (أَجْراً عَظِيماً) أي : عطاء جزيلا وإنما سماه أجرا ؛ لأنه تابع للأجر مزيد عليه لا يثبت إلا بثباته.
(فَكَيْفَ) حال الكفار؟ (إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) يشهد عليها بعملها وهو نبيها لقوله تعالى : (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) [المائدة ، ١١٧] (وَجِئْنا بِكَ) يا محمد (عَلى هؤُلاءِ) الشهداء (شَهِيداً) أي : شاهدا تشهد على صدقهم لعلمك بعقائدهم واستجماع شرعك على مجامع قواعدهم ، وقيل : هؤلاء إشارة إلى المؤمنين لقوله تعالى : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) [البقرة ، ١٤٣] وقيل : إلى الكافرين المستفهم عن حالهم.
وعن ابن مسعود أنه قرأ سورة النساء على رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى بلغ قوله : (وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) فبكى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : «حسبك» (٣).
__________________
(١) أخرجه النسائي في الإيمان حديث ٥٠١٠ ، وابن ماجه في المقدمة حديث ٦٠.
(٢) أخرجه البخاري في التوحيد باب ٣٧ ، والرقاق باب ٥١ ، ومسلم في الإيمان حديث ٣٠٢ ، وأحمد في المسند ٣ / ٨٨ ، ٩٥.
(٣) أخرجه البخاري في فضائل القرآن حديث ٥٠٥٠ ، ومسلم في المسافرين حديث ٨٠٠ ، وأبو داود في العلم حديث ٣٦٦٨ ، والترمذي في التفسير حديث ٣٠٢٤ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٤١٩٤.