رواية : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة» (١) ، والضيافة ثلاثة أيام ، فما كان بعد ذلك فهو صدقة ولا يحلّ له أن يثوي عنده حتى يخرجه (وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي : من الأرقاء من عبيد وإماء.
روي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس ولا يكلفه من العمل ما يغلبه فإن كلفه ما يغلبه فليعنه عليه» (٢) ، وفيه رواية أنه صلىاللهعليهوسلم كان يقول في مرضه : «الصلاة وما ملكت أيمانكم» (٣) فجعل يتكلم وما يفيض بها لسانه (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً) أي : متكبرا على الناس من أقاربه وأصحابه وجيرانه وغيرهم ولا يلتفت إليهم (فَخُوراً) أي : يتفاخر عليهم بما آتاه الله.
روي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «بينما رجل يتبختر في بردين وقد أعجبته نفسه خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة» (٤). وفي رواية : «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جرّ ثوبه خيلاء» (٥). وقوله تعالى : (الَّذِينَ) مبتدأ (يَبْخَلُونَ) أي : بما يجب عليهم (وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) بذلك (وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) من العلم والمال وهم اليهود بخلوا ببيان صفته صلىاللهعليهوسلم وكتموها وكانوا يأتون رجالا من الأنصار ويخالطونهم فيقولون : لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر ولا تدرون ما يكون. وخبر المبتدأ محذوف تقديره لهم وعيد شديد ويصح أن يكون (الذين) بدلا من قوله : من كان ، أو منصوبا على الذم أو مرفوعا عليه أي : هم الذين ، وقرأ حمزة والكسائي (بالبخل) بفتح الباء والخاء ، والباقون بضمّ الباء وسكون الخاء (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ) بذلك وبغيره (عَذاباً مُهِيناً) أي : ذا إهانة وضع الظاهر فيه موضع المضمر إظهارا بأنّ من هذا شأنه فهو كافر بالله لكتمانه صفة النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وكافر بنعمة الله عليه.
وروي عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إذا أنعم الله على عبد نعمة أحبّ أن ترى نعمته على عبده» (٦). وبنى عامل للرشيد قصرا حذاء قصره فنم به عنده فقال الرجل : يا أمير المؤمنين إنّ الكريم يسره أن يرى أثر نعمته ، فأحببت أن أسرك بالنظر إلى آثار نعمتك فأعجبه كلامه ، وقوله تعالى :
(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (٣٨) وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً (٣٩) إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (٤٠) فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى
__________________
(١) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ٧٤ ، وأحمد في المسند ٤ / ٣١ ، ٦ / ٣٨٥ ، والحاكم في المستدرك ٤ / ١٦٤ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٩ / ١٩٧.
(٢) أخرجه البخاري في العتق حديث ٢٥٤٥ ، ومسلم في الأيمان حديث ١٦٦١ ، وأبو داود في الأدب حديث ٥١٥٨.
(٣) أخرجه ابن ماجه في الجنائز حديث ١٦٢٥.
(٤) أخرجه مسلم في اللباس حديث ٢٠٨٨ ، والدارمي في المقدمة حديث ٤٣٧.
(٥) أخرجه البخاري في اللباس حديث ٥٧٨٣ ، ومسلم في اللباس حديث ٢٠٨٥ ، والترمذي في اللباس حديث ١٧٣٠.
(٦) أخرجه الترمذي في الأدب حديث ٢٨١٩.