(مِنْ حَيْثُ
أَمَرَكُمُ اللهُ) بتجنبه في الحيض وهو القبل ولا تتعدّوه إلى غيره. أمّا
الملامسة فيما عدا ما بين السرّة والركبة والمضاجعة معها قبل الغسل ، ولو قبل
انقطاع الحيض فجائز ، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها : «كان يأمرني صلىاللهعليهوسلم فأتزر فيباشرني وأنا حائض وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف
فأغسله وأنا حائض» .
وعن أمّ سلمة
رضي الله تعالى عنها قالت : «حضت وأنا مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم في الخميلة فانسللت فخرجت منها فأخذت ثياب حيضتي ،
فلبستها فقال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنفست؟ قلت : نعم ، فدعاني فأدخلني معه في الخميلة» (إِنَّ اللهَ يُحِبُ) أي : يثيب ويكرم (التَّوَّابِينَ) من الذنوب (وَيُحِبُّ
الْمُتَطَهِّرِينَ) أي : المتنزهين عن الفواحش والأقذار ، كمجامعة الحائض
والإتيان في غير القبل.
(نِساؤُكُمْ حَرْثٌ
لَكُمْ) أي : مزرع ومنبت للولد كالأرض للنبات (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ) أي : محله وهو القبل (أَنَّى) أي : كيف (شِئْتُمْ) من قيام وقعود واضطجاع وإقبال وإدبار.
وروى الشيخان
أنّ اليهود كانوا يقولون : من جامع امرأته من دبرها أي : خلفها في قبلها جاء ولدها
أحول ، فذكر ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت هذه الآية.
(وَقَدِّمُوا
لِأَنْفُسِكُمْ) من الأعمال الصالحة ، كالتسمية عند الجماع وطلب الولد
أي : ما يدخر لكم من الثواب (وَاتَّقُوا اللهَ) في أمره ونهيه (وَاعْلَمُوا
أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) بالبعث ، فتزوّدوا ما لا تفتضحون به فإنه يجازيكم
بأعمالكم (وَبَشِّرِ
الْمُؤْمِنِينَ) بالكرامة والنعيم الدائم ، أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم أن ينصحهم ويبشر من صدقه وامتثل أمره منهم. وقوله تعالى : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً
لِأَيْمانِكُمْ) نزلت في أبي بكر الصدّيق رضي الله تعالى عنه ، لما حلف
أن لا ينفق على مسطح حين خاض في حديث الإفك لافترائه على عائشة رضي الله تعالى
عنها ، أو في عبد الله بن رواحة حين حلف أن لا يكلم ختنه أي : زوج أخته بشير بن
النعمان ، ولا يصلح بينه وبين أخته.
فالعرضة كل ما
يعرض فيمنع عن الشيء أي : لا تجعلوا الحلف سببا مانعا لكم من البرّ والتقوى يدعى
أحدكم إلى صلة رحم أو برّ فيقول : حلفت بالله أن لا أفعله ، فيعتل بيمينه في ترك
البرّ كما قال تعالى : (أَنْ تَبَرُّوا) أي : مخالفة أن لا تبرّوا ، فهو في موضع نصب مفعول من
أجله. وعند الكوفيين لئلا تبرّوا كقوله تعالى : (يُبَيِّنُ اللهُ
لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء ، ١٧٦] أي : لئلا تضلوا ، وقال أبو إسحاق في موضع رفع بالابتداء ،
والخبر محذوف أي : أن تبرّوا وتتقوا خير لكم وقيل : التقدير في أن تبرّوا ، فلما
حذف حرف الجرّ نصب ، وقيل : هو في موضع جرّ بالحرف المحذوف.
(وَتَتَّقُوا
وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ) فتكره اليمين على ذلك ، ويسنّ فيه الحنث ويكفّر ، لما
روي عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من حلف بيمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر
عن يمينه ويفعل الذي هو خير»
__________________