على عمومه بإجماع (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ) أي : حرّ (مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) لماله وجماله وقيل : المراد بالأمة والعبد المرأة والرجل ، حرّين كانا أو رقيقين ؛ لأنّ الناس عبيد الله وإماؤه (أُولئِكَ) أي : أهل الشرك (يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) أي : إلى الكفر المؤدّي إلى النار ، فلا تليق مصاهرتهم وموالاتهم (وَاللهُ يَدْعُوا) أي : أولياءه المؤمنون ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، تفخيما لشأنهم ، أو يدعو على لسان رسله ، وهذا كما قال أبو حيان : أبلغ في التباعد من المشركين إجراء للفظ على ظاهره ، والأوّل ذكر لطلب المعادلة بين المشركين والمؤمنين (إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ) أي : العمل الصالح الموصل إليها ، فهم الأحقاء بالمواصلة (بِإِذْنِهِ) أي : بأمر الله ورضاه على التفسير الأول ، أو بقضائه وإرادته على التفسير الثاني فتجب إجابته بتزويج أوليائه (وَيُبَيِّنُ) أي : الله (آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أي : لكي يتذكروا فيتعظوا.
(وَيَسْئَلُونَكَ) يا محمد (عَنِ الْمَحِيضِ) أي : الحيض أو مكانه ما ذا يفعل بالنساء فيه.
روي أن أهل الجاهلية كانوا لم يساكنوا الحيض ولم يؤاكلوهنّ كفعل اليهود ، فإنّ اليهود كانت إذا حاضت المرأة منهم أخرجوها من البيت ، ولم يؤاكلوها ، ولم يشاربوها ، ولم يجامعوها في البيت ، واستمرّ ذلك إلى أن سأل أبو الدحداح في نفر النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن ذلك فقال الله تعالى : (قُلْ) لهم (هُوَ) أي : الحيض أو مكانه (أَذىً) قذر أو محله قذر.
فإن قيل : لماذا ذكر الله تعالى يسألونك بغير واو ثلاثا ثم بها ثلاثا؟ أجيب : بأنّ السؤالات الأول كانت في أوقات متفرّقة ، والثلاثة الأخيرة كانت في وقت واحد ، فلذلك ذكرها بحرف الجمع ، وهو واو العطف ، وهي الجمع في الحكم لا الزمان ، واعترض هذا الجواب بأنه كان يجب على هذا أن تدخل الواو على اثنين من الثلاثة الأخيرة ؛ لأنّ العطف يكون في الثانية والثالثة منها ، وأجيب : بأنهم لما سألوا عما كانوا ينفقون ، فأجيبوا بمصرف النفقة أعادوا سؤالهم بالواو ما ينفقون ، فأجيبوا : بالعفو ، ولما كان السؤال الثاني عن مخالطة اليتامى في النفقة ، وهو مناسب لما قبله عطف بالواو ، ولما كان الثالث سؤالا عن اعتزال الحيض كما تعتزل اليتامى فناسب ما قبله في الاعتزال عطف بالواو ، ولا كذلك الثلاثة الأول ؛ إذ لا تعلق بينها.
(فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ) أي : اتركوا وطأهنّ (فِي الْمَحِيضِ) أي : وقته أو مكانه ؛ لأنّ ذلك هو الاقتصاد بين إفراط اليهود ، وتفريط النصارى فإنهم كانوا يجامعونهنّ ولا يبالون بالحيض ، وما استدلّ به البيضاوي من قوله صلىاللهعليهوسلم : «إنما أمرتم أن تعتزلوا مجامعتهنّ إذا حضن ، ولم نأمركم بإخراجهنّ من البيوت كفعل الأعاجم» (١) قال شيخنا القاضي زكريا : لم أره بهذا اللفظ في بعض التفاسير لغيره.
وقوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوهُنَ) أي : بالجماع (حَتَّى يَطْهُرْنَ) تأكيد للحكم وبيان لغايته ، وهو أن يغتسلن بعد الانقطاع ، ويدل عليه صريحا قراءة شعبة وحمزة والكسائي بتشديد الطاء والهاء أي : يتطهرن بمعنى يغتسلن والباقون بسكون الطاء وضمّ الهاء مخففة والتزاما.
قوله تعالى : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَ) أي : للجماع فإنه يقتضي تأخر جواز الإتيان عن الغسل ، وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه : إن طهرت لأكثر الحيض وهو عنده عشرة أيام جاز قربانها قبل الغسل.
__________________
(١) أخرجه ابن حجر في الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف (١٩) ١ / ٣٥.