بخلافها على فعل البرّ ونحوه فهي طاعة (وَاللهُ سَمِيعٌ) لأقوالكم (عَلِيمٌ) بأحوالكم.
(لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ) الكائن (فِي أَيْمانِكُمْ) واللغو : كل مطروح من الكلام لا يعتدّ به. واختلف أهل العلم في اللغو في اليمين المذكور في الآية ، فقال قوم : هو ما سبق إلى اللسان على عجلة ، لصلة كلام من غير عقد ولا قصد ، كقول القائل : لا والله ، وبلى والله ، وكلا والله ، وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت : لغو اليمين كقول الإنسان : لا والله ، وبلى والله ، ورفعه بعضهم ، وبهذا قال الشافعي رضي الله تعالى عنه ، وقال قوم : هو أن يحلف على شيء يرى أنه صادق ثم يتبين أنه خلاف ذلك وبه قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وقال زيد بن أسلم : هو دعاء الرجل على نفسه كقول الإنسان : أعمى الله بصري إذا لم أفعل كذا ، وكذا فهذا لغو لا يؤاخذ الله به ، قال تعالى : (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ) [الإسراء ، ١١] وقال تعالى : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) [يونس ، ١١].
(وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) أي : قصدته من الإيمان إذا حنثتم (وَاللهُ غَفُورٌ) حيث لم يؤاخذكم باللغو (حَلِيمٌ) حيث لم يعجل بالمؤاخذة على يمين الجدّ تربصا للتوبة.
تنبيه : اليمين لا ينعقد إلا بالله العظيم ، أو باسم من أسمائه ، أو صفة من صفاته ، فاليمين بالله كأن يقول : والذي أعبده والذي نفسي بيده وبأسمائه ، كأن يقول : والله والرحمن وبصفاته ، كأن يقول : وعزة الله ، وعظمة الله وجلال الله فإذا حلف بشيء من ذلك على أمر مستقبل ، ثم حنث وجبت عليه الكفارة ، وسيأتي بيانها إن شاء الله تعالى في سورة المائدة ، وإذا حلف على أمر ماض أنه كان ولم يكن ، وهو عالم به حالة ما حلف فهي اليمين الغموس ، وهي من الكبائر ويجب بها الكفارة ، كما قاله الشافعيّ رضي الله تعالى عنه. وقال بعض العلماء : لا كفارة فيها كأكثر الكبائر. وأما الحلف بغير ما ذكر كالحلف بالكعبة وبيت الله ونبيّ الله أو بأبيه ونحوه فلا يكون يمينا ولا تجب به الكفارة إذا حنث وهو يمين مكروه.
روي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أدرك عمر وهو يسير في ركب ، وهو يحلف باسمه فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» (١).
(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) أي : يحلفون أن لا يجامعوهنّ ، والإيلاء : الحلف ، وتعديته بعلى ، ولكن لما ضمن هذا القسم معنى البعد عدي بمن ، قال قتادة : كان الإيلاء طلاقا لأهل الجاهلية ، وقال سعيد بن المسيب : كان ذلك من ضرار أهل الجاهلية كان الرجل لا يحب المرأة ولا يريد أن يتزوّجها غيره فيحلف أن لا يقربها أبدا ، فيتركها أبدا لا أيما ، ولا ذات بعل ، وكانوا عليه في ابتداء الإسلام ، فضرب الله لهم أجلا في الإسلام كما قال تعالى : (تَرَبُّصُ) أي : انتظار (أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) أي : للمولى حق التثبت في هذه المدّة فلا يطالب بفيئة ولا طلاق ، ولذا قال الشافعيّ رضي الله تعالى عنه : لا إيلاء إلا في أكثر من أربعة أشهر ، ويؤيده (فَإِنْ فاؤُ) أي : رجعوا في المدّة أو بعدها عن اليمين إلى الوطء ؛ لأنّ الفيئة وعزم الطلاق مشروعان عقب الإيلاء وحصول التربص ، فلا بدّ أن يكون مدخول الفاء واقعا بعدهما (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لهم ما أتوه من ضرر المرأة بالحلف (رَحِيمٌ) بهم.
__________________
(١) أخرجه البخاري في الأدب حديث ٦١٠٨ ، ومسلم في الأيمان حديث ١٦٤٦ ، وأبو داود في الأيمان حديث ٣٢٤٩.