فَاعْتَدُوا
عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ
اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٩٤) وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا
بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ (١٩٥) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ
أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى
يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ
رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ
فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا
رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي
الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ
الْعِقابِ (١٩٦) الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ
فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ
يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا
أُولِي الْأَلْبابِ (١٩٧))
(وَقاتِلُوا) أي : جاهدوا (فِي سَبِيلِ اللهِ) لإعلاء كلمته وإعزاز دينه (الَّذِينَ
يُقاتِلُونَكُمْ) من الكفار (وَلا تَعْتَدُوا) عليهم بالابتداء بالقتال (إِنَّ اللهَ لا
يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) أي : لا يريد بهم الخير ؛ لأنه غاية المحبة إذ المحبة
حقيقتها محال في حقه تعالى ؛ لأنها ميل النفس ، وسبب ذلك أنهم كانوا منعوا من قتال
الكفار وأمروا بالصبر على أذاهم بقوله تعالى : (لَتُبْلَوُنَّ فِي
أَمْوالِكُمْ) [آل عمران ، ١٨٦] الآية ، ثم أمروا به إذا ابتدؤوا به بهذه الآية ، ثم أبيح
لهم ابتداؤه في غير الأشهر الحرم بقوله تعالى : (فَإِذَا انْسَلَخَ
الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) [التوبة ، ٥] الآية ، ثم أمروا به مطلقا من غير تقييد بشرط ولا زمان بقوله
تعالى : (وَاقْتُلُوهُمْ
حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) أي : وجدتموهم في حل أو حرم ، وقرأ أبو عمرو بإدغام
الثاء في الثاء بخلاف عنه ، حيث جاء (وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ
حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) أي : من مكة وقد فعل ذلك بمن لم يسلم عام الفتح (وَالْفِتْنَةُ) أي : الشرك منهم (أَشَدُّ) أي : أعظم (مِنَ الْقَتْلِ) لهم في الحرم أو الإحرام الذي استعظمتموه ، أو المحنة
التي يفتتن بها الإنسان : كالإخراج من الوطن أصعب من القتل لدوام تعبها وتألم
النفس بها. قيل لبعض الحكماء : ما أشدّ من الموت؟ قال : الذي يتمنى فيه الموت.
وقال القائل :
لقتل بحد
السيف أهون موقعا
|
|
على النفس من
قتل بحدّ فراق
|
وقيل : الفتنة
عذاب الآخرة كما قال تعالى : (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) [الذاريات ، ١٤].
(وَلا تُقاتِلُوهُمْ) أي : لا تبدؤوهم (عِنْدَ الْمَسْجِدِ
الْحَرامِ) أي : في الحرم (حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ
فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ) فيه (فَاقْتُلُوهُمْ) فيه فإنهم هم الذين هتكوا حرمته ، وقرأ حمزة والكسائي :
ولا تقتلوهم حتى يقتلوكم بفتح التاء الفوقية من تقتلوهم والياء من يقتلوكم وسكون
القاف ولا ألف بعد القاف وضم التاء فيهما ، والباقون بفتح التاء والياء وفتح القاف
وبعد القاف ألف وكسر التاء ، وأمّا فإن قاتلوكم فحذف حمزة والكسائي الألف وأثبتها
الباقون ، والمعنى على قراءة حمزة والكسائي : حتى يقتلوا بعضكم ، جعل وقوع القتل
في بعضهم كوقوعه فيهم كقول بعض العرب : قتلنا بني أسد أي : بعضهم ، وقال بعضهم :
وإن تقتلونا نقتلكم.
(كَذلِكَ) أي : القتل والإخراج (جَزاءُ الْكافِرِينَ) أي : يفعل بهم مثل ما فعلوا (فَإِنِ انْتَهَوْا) عن الكفر وأسلموا (فَإِنَّ اللهَ
غَفُورٌ) يغفر لهم ما قد سلف (رَحِيمٌ) بهم فلا يؤاخذ بذلك. (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى
لا تَكُونَ) أي : توجد (فِتْنَةٌ) أي : شرك (وَيَكُونَ الدِّينُ) أي : العبادة (لِلَّهِ) وحده لا يعبدون سواه (فَإِنِ انْتَهَوْا) عن الشرك فلا تعتدوا عليهم. دل على هذا (فَلا
__________________